شهدت الأيام الماضية حدثا غريبا، لم تهتم به وسائل الإعلام، في زحمة انخراطها بتغطية الحرب في أوكرانيا، بالرغم من أن الحدث ليس بعيدا عنها. فقد تمكنت مؤسسة “المواطن العالمي” من جمع أكثر من 10 مليارات دولار لصالح اللاجئين الأوكرانيين، في فعالية عالمية أظهرت حجم التأثير العالمي الذي وصلت إليه المؤسسة، في الضغط على قادة العالم وصناع القرار، لتقديم الدعم والمساعدات التي تخفف معاناة الشعوب، وتعينهم على مواجهة نتائج الأزمات التي يمرّون بها.

هذا الحدث، يظهر لنا مدى قدرة هذه المؤسسات والمنظمات على تحريك الشخصيات والأفراد لتبني أفكارها، والتفاعل مع مشروعاتها، والانخراط فيها، والتحرك للضغط على السلطات السياسية للقيام بمسؤولياتها تجاه ذلك. وما نريد أن نقف عنده في هذا الحدث، هو: هل الأمر فعلا على نحو ما ذكرنا آنفا؟ وكيف استطاعت المؤسسة من جمع هذا المبلغ في فترة وجيزة، رغم أن الحدث في ذاته خارج دائرة اختصاصها؟ ولماذا لم تقم منظمات الأمم المتحدة المختصة في شؤون اللاجئين بذلك؟

كيف استطاعت مؤسسة “المواطن العالمي” جمع تعهدات بأكثر من 10 مليارات دولار من المنح والقروض لصالح أوكرانيا؟ بل كيف استطاعت المؤسسة في أقل من 10 سنوات القيام بأكثر من 30 مليون عمل حول العالم، وجمع وتوزيع أكثر من 35 مليار دولار من إجمالي تعهدات بحوالي 58 مليار دولار، استفاد منها حوالي 1.1 مليار إنسان حتى الآن؟

حملة بـ10 مليارات دولار

نظمت مؤسسة “المواطن العالمي” (Global Citizen) الأسترالية، يوم الجمعة الماضي، حملة تضامنية عالمية مع أوكرانيا تحت عنوان (قفوا مع أوكرانيا)، عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، شارك فيها مئات الآلاف من “المواطنين العالميين” الأعضاء في المؤسسة حول العالم، بما في ذلك الفنانون والرياضيون والممثلون والمبدعون، والنشطاء، الذين ساعدت أصواتهم وأفعالهم في التأكد من تخصيص مليارات الدولارات خلال قمة التعهدات لمساعدة اللاجئين من أوكرانيا ومن جميع أنحاء العالم، والتي نظمتها المؤسسة باليوم التالي، في العاصمة البولندية وارسو، برئاسة المدير التنفيذي للمؤسسة “هيو إيفانز”، وبالشراكة مع رئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لاين”، ورئيس الوزراء الكندي “جاستن ترودو”، وبمشاركة الرئيس البولندي “أندريه دودا”.

وكان الرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي” قد شارك مع “المواطن العالمي” برسالة فيديو في 6 مارس/آذار، دعا فيها الناس في جميع أنحاء العالم إلى تقديم دعمهم لشعب أوكرانيا، ثم تبعها بالمزيد من الرسائل، متحدثا للمواطنين العالميين من أعضاء “المواطن العالمي” حول مستجدات الحرب، والدمار، والوضع الإنساني، واللاجئين الفارين، داعيا أيضا المواطنين العالميين إلى حثّ قادة العالم، للحصول على مساعدات فورية.

وقد لاقت هذه الرسائل عن طريق “المواطنين العالميين” تجاوبا كبيرا في أوساطهم، لكنها في الوقت نفسه -حسب مؤسسة “المواطن العالمي”- أكدت على الدور الذي يمكن أن يلعبه الناس العاديون في الدفاع عن حقوق الإنسان والدعوة إلى السلام. وهذا يدعونا إلى مراجعة سريعة للمفهوم السطحي الشائع لمنصات التواصل الاجتماعي، والانتباه إلى دورها في تسهيل وتسريع التواصل بين القطاعات البشرية الكبرى ذات التوجهات المشتركة، بغض النظر عن انتماءاتها الجيوسياسية أو الدينية أو العرقية، وخاصة إذا كانت المؤسسات التي تدير هذه القطاعات البشرية، تمتلك الموارد المالية الهائلة، والعلاقات القوية مع المؤسسات السياسية والاجتماعية والفكرية والثقافية.

تجاوز المبلغ الذي تم التعهد به، أكثر من 10 مليارات دولار، أقل من نصفها على شكل منح، والباقي على شكل قروض، فضلا عن دعم المنظمات الشعبية، ووكالات الأمم المتحدة العاملة مع اللاجئين والنازحين. وقد بلغت تبرعات “المواطنين العالميين” للحملة، أكثر من نصف مليون دولار، تبرع بها حوالي 5 آلاف شخص من 66 دولة في العالم. هذا عدا الالتزامات العينية من الحكومات والمنظمات والهيئات الإنسانية والشركات التجارية ومنصات التواصل الاجتماعي.

أما المفوضية الأوروبية، الشريك في الحملة، فقد تعهدت بمبلغ 600 مليون يورو، بالإضافة إلى 400 مليون يورو للاجئين في الاتحاد الأوروبي، كما تعهدت كندا، الشريك الثاني، بـ100 مليون دولار كندي، وتعهدت بلجيكا بـ813 مليون يورو، وألمانيا بحوالي نصف مليار يورو، وكذلك كرواتيا بـ100 مليون يورو، وتشيكيا بمبلغ 200 مليون يورو، وسلوفاكيا بمبلغ 530 مليون يورو، وفنلندا بمبلغ 700 مليون يورو، والسويد بمبلغ 300 مليون يورو، وإيطاليا بحوالي مليار يورو، وأيضا أيرلندا بمبلغ 53 مليون يورو، والدانمارك بحوالي 75 مليون دولار، واليابان بحوالي 300 مليون دولار، وليتوانيا حوالي 40 مليون يورو، ورومانيا بمبلغ 50 مليون يورو، وإسبانيا بـ31 مليون يورو.

كما التزم بنك التنمية التابع للمجلس الأوروبي بتقديم قروض بقيمة مليار يورو للدول الأعضاء لدعم الاحتياجات طويلة الأجل للاجئين والمجتمعات المضيفة لهم، ووضع بنك الاستثمار الأوروبي خطة لتوفير 4 مليارات يورو إضافية لتمويل القروض بحلول نهاية عام 2023، كما خصص البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير مليار يورو من حزمة المساعدات البالغة ملياري يورو، بالإضافة إلى حوالي مليار دولار من بريطانيا، ومليار دولار من الولايات المتحدة، وغيرها من الدول الغربية، وعدد قليل من الدول العربية.

لم تقف مؤسسة “المواطن العالمي” عند حدود الدعوة والتشجيع، بل شددت على أن الأعضاء والمناصرين يطالبون بأن تكون الأموال المتعهد بها، تعهدات جديدة وغير مخصصة من قبل، من أجل تقليل مخاطر التخفيضات في البرامج التنموية والإنسانية الأساسية القائمة. لأنه إذا لم يكن الأمر كذلك، فسوف يؤدي ذلك إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية في البلدان الأخرى، ولا ينبغي أبدًا مواجهة الأزمات مع بعضها بعضا. كما شددت على أنه برغم أن الأموال ضرورية لتغطية تكاليف استضافة اللاجئين في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والدول المجاورة، فإن ذلك ينبغي ألا يكون على حساب الفئات السكانية الضعيفة في جميع أنحاء العالم.

سر التفوّق؟

كيف استطاعت مؤسسة “المواطن العالمي” إحداث هذا التأثير، وجمع تعهدات بأكثر من 10 مليارات دولار من المنح والقروض لصالح أوكرانيا، والتي لم تستطع هيئة الأمم المتحدة جمعها منذ بدء الحرب هناك؟ بل كيف استطاعت المؤسسة في أقل من 10 سنوات القيام بأكثر من 30 مليون عمل حول العالم، وجمع وتوزيع أكثر من 35 مليار دولار من إجمالي تعهدات بحوالي 58 مليار دولار، استفاد منها حوالي 1.1 مليار إنسان حتى الآن.

هذه المؤسسة غير الربحية، تعرّف نفسها بأنها “منصة مكرّسة لإنهاء الفقر المدقع، مدعومة بمجتمع من ملايين المواطنين العالميين الذين يؤمنون بعالم واحد، وشعب واحد، حيث يتمتع كل فرد بفرصة متساوية في الازدهار”. وتعتبر المؤسسة نفسها “أكبر حركة في العالم لمتخذي الإجراءات وصانعي التأثير المكرسين لإنهاء الفقر المدقع الآن، والتي تدعو لإلهام أولئك الذين يمكنهم جعل الأشياء تتحقق، من قادة الحكومات والشركات والمتبرعين والفنانين والمواطنين، للعمل معًا من أجل تحسين الحياة”، وتعمل المؤسسة على تحقيق هدف القضاء على الفقر المدقع بحلول عام 2030.

وبالعودة إلى أهداف التنمية المستدامة التي تعمل الأمم المتحدة على تحقيقها بحلول 2030، ضمن الخطة التي وضعتها عام 2015 لتحويل العالم، نجد أن الهدف الأول من أهدافها الـ17، هو هدف القضاء على الفقر، أي أن مؤسسة “المواطن العالمي” تكرّس نفسها لتحقيق هذا الهدف، وهو ما يفسر حجم التفاعل والتعاون الدولي مع هذه المؤسسة في حملتها لمساندة اللاجئين الأوكرانيين، على الرغم من أن الحملة برمتها لا تدخل ضمن دائرة اختصاص المؤسسة، وهي القضاء على الفقر المدقع، وهذا ليس بجديد على المؤسسة، فهي تربط الفقر بتغيرات المناخ بالصحة بالمساواة العرقية والجنسانية والجنسية، تماما كما هو حال خطة التنمية المستدامة.

وهذا الأمر يفتح الباب واسعا حول هذه المنظمة والجهات التي تقف وراءها، وتستفيد من شبكة مواطنيها العالميين المنتشرين في جميع أنحاء العالم، والدور الذي ينتظرهم في قادم الأيام، بعد أن قامت المؤسسة بمد الشبكة في جميع أنحاء العالم، وأثبتت قدرتها على تنظيم أعمال وبرامج المنتمين لهذه الشبكة، وتوجيهها لصالح أهداف محددة، في مواعيد محددة.

وهنا يبرز سؤال يفرض علينا نفسه في سياق الأحداث الجارية بحثا عن أصل الحكاية: هل الحرب التي تدور في أوكرانيا لها علاقة بأهداف التنمية المستدامة وخطة تحويل العالم؟

المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply