“أفضل ما قرأت من كتب المذكرات الشخصية” هكذا وصفت المذيعة الشهيرة أوبرا وينفري كتاب السيرة الذاتية الذي نشره النجم ويل سميث بالتعاون مع مارك مانسون مؤلف كتاب “فن اللا مبالاة” وسرعان ما احتل المرتبة الأولى على قائمة نيويورك تايمز للكتب الأكثر مبيعا.

ويتألف كتاب “ويل” (Will) من 400 صفحة جمعت بين جلد الذات والتباهي والوعظ الأخلاقي والكثير من الأسرار المثيرة والشائقة التي لا يعرفها أحد عن سميث، مما أتاح للقارئ التعرف على الطريقة التي اختار بها مواجهة شياطينه، وكيف سعى جاهدا ليكون الأفضل عبر رحلة طويلة وشاقة حولته من مجرد طفل جبان إلى نجم أيقوني بعالم الموسيقى والأفلام والترفيه.

المحطة الأولى: كما يليق بطفل خائف

“لطالما اعتبرت نفسي جبانا” هذا ما وصف به سميث نفسه بمقدمة مذكراته، وهو الاعتراف الصادم الذي لم يتوقعه أحد من عشاقه، قبل أن يستطرد ساردا التفاصيل الدقيقة بحساسية مرهفة وكثير من الصدق، ويحكي كيف تولّدت لديه تلك الصورة عن نفسه، باعتباره مجرد فتى جبان يخشى الدفاع عن أمه في حالات هياج والده مدمن الخمر وممارسة العنف ضدها.

ولا يغفر سميث ذلك لنفسه أبدا رغم محاولاته تعويض والدته عدم حمايته لها ما تبقى له من عمر، مما ترك ندبة واضحة على روحه والأهم أثرا غائرا سيطر ولو بشكل غير مباشر على قراراته ونظرته لنفسه وتقديره لقيمة العائلة. تلك المشاعر الدائمة بالضعف والخوف والنقصان وقلة الكفاءة، جعلته يشحذ قواه وأظافره لمواجهة العالم من جهة، ومن جهة أخرى لحماية نفسه وإخفاء الطفل الهش داخله عن الجميع.

المحطة الثانية: مراهق لا يخشى المخاطرة

مع انتهاء سميث من الثانوية وقبل التحاقه بالجامعة، لاحت له فرصة ذهبية، ورغم المجازفة الهائلة فإنه لم يخش العواقب ولاحت منه بوادر الشجاعة المفرطة والعين الثاقبة القادرة على استشعار النجاح والسعي إليه.

وكان سميث طالبا ممتازا ومحبا للعلوم والرياضيات. ومع ذلك -وخلافا لرغبة والدته- تخلّى عن خططه الجامعية ليكون نجما بموسيقى الهيب هوب في عالم ما قبل الإنترنت والمنصات، فقط شرائط الكاسيت والحفلات المنزلية والسعي الحثيث لنشر الكلمات والأغنيات من باب إلى باب.

وبدأ سميث رحلته في عالم “الراب” بسن الـ 12، وعام 1985 انضم لصديقه دي جي جازي جيف للعمل معه، وكانت النتيجة أغنيتهما الفردية الأولى “الفتيات لسن سوى متاعب” (Girls Ain’t Nothing but Trouble).

ومع صغر سنهما، سرعان ما وضعا اسميهما على الخريطة الموسيقية حين فازا بجائزة “غرامي” عام 1989 عن أفضل أداء لأغنية “الآباء فقط لا يفهمون” (Parents Just Don’t Understand) ليصبح سميث أول مغني راب يفوز بالجائزة.

وتلاه سلسلة من النجاحات توجتها 3 جوائز غرامي أخرى، وهو ما تزامن مع تألق سميث بالدراما التلفزيونية من خلال مسلسل “السيت-كوم” أمير بيل إير الجديد” (The Fresh Prince of Bel-Air) على مدار 6 مواسم.

المحطة الثالثة: سأكون أسطورة

“فكر في نفسك كسياسي يرشح نفسه لأكبر نجم سينمائي في العالم”. كانت تلك هي النصيحة التي قدمها النجم أرنولد شوارزنيغر لسميث حين سأله عن سر شهرته منتصف التسعينيات، وهو ما يتماهى مع نظرية الأخير التي تنص على أن لكل شخص قدراته غير القابلة للقياس إلا من خلال التجربة.

ولمّا كان سميث قد نشأ في بيئة متوترة وقلقة طوال الوقت لأسباب نفسية ومادية، وأمام شعوره بعدم الأمان، قرر ألا يرتضي سوى بالمرتبة الأولى دائما وأبدا، إذ عليه أن يكون الممثل الأفضل في هوليود، الأعلى أجرا، الأكثر جنيا للإيرادات، ليس فقط على مستوى النجوم السود بل والبيض كذلك.

ولهذا جمع حوله فريقا متكاملا للعمل وتعامل مع مسيرته بجدية فائقة، وحاول أن يختار دوما ما سيُضيف إلى مشواره ويرفعه إلى مرتبة لا يجاوره فيها أحد.

ولكل ما سبق، كان من البديهي أن تأتي سيرته الذاتية عامرة بالتعبيرات التي تدل على إدمانه المزيد، المزيد من المال، من الشهرة، من النجاح، إذ لم يكن مقبولا لديه أن ينجح ككاتب أغنيات وليس كمغنٍ، أو كمغنٍ وليس كممثل، أو كممثل وليس كمنتج، فأي درجة يحصل عليها أقل من العلامة النهائية بمثابة صفر كبير بالنسبة له.

وكما يليق برجل لم يرتض سوى الفوز حتى حين يباري أولاده بالألعاب الورقية، أثر ذلك على طريقة تعاطيه مع عائلته. وفقا لما جاء بالكتاب، كان سميث صاحب القرار الأوحد، فطالما رأى نفسه الأكثر علما ببواطن الأمور وصاحب النوايا المثالية والخطط بعيدة المدى التي وإن لم تُرض أسرته، يظل عليهم الامتثال لها كونه وحده يعرف أكثر.

المحطة الرابعة: طموح لا يعرف المستحيل

على مستوى التحقق، لا يمكن نكران شهرة سميث كأحد أهم نجوم هوليود، سواء على الصعيد المادي أو الألقاب، فهو خامس نجم أسمر يفوز بجائزة الأوسكار لأفضل ممثل، كما أنه يحمل الرقم القياسي لأكبر عدد من الأفلام المتتالية التي تجاوزت أرباحها 100 مليون دولار في شباك التذاكر بالولايات المتحدة، بمعدل 8 أفلام.

جدير بالذكر أنه حصل عام 2012 على أعلى أجر لدور سينمائي على الإطلاق عن فيلمه “رجال في ملابس سوداء” (Men in Black 3) والذي بلغ وقتها 100 مليون دولار، وظل صاحب الأجر الأعلى حتى 2022 قبل أن يتفوق عليه توم كروز الذي حصل -عن فيلمه الأخير “توب غان: مافريك” (Top Gun: Maverick)- على أجر 13 مليونا بجانب نسبة من الأرباح، مما جعل أجره يتجاوز 100 مليون.

كما تُعد أجور سميث عن فيلمي “الملك ريتشارد” (King Richard) و”برايت” (Bright) ضمن الأعلى بتاريخ السينما، وقد تخطى الأخير -وقت طرحه- الرقم القياسي لأكثر أفلام نتفليكس مشاهدة بأسبوعه الأول ليصبح أول فيلم رئيسي في هوليود يشاهده أكثر من 100 مليون شخص حول العالم.

صفعة ويل سميث لكريس روك في حفل أوسكار 2022 (رويترز)

المحطة الخامسة: هل تصبح صفعة الأوسكار منطقية؟

على مستوى الواقع، يبدو أن تلك الحياة الخيالية والمتألقة لم تكن مثالية لأسرة سميث وخاصة زوجته التي استنزفتها الحياة في كنف رجل يحاول فرض رؤيته والتحكم بكل شيء كي لا تخرج الأمور عن السيطرة، وهو ما نتج عنه الكثير من المشكلات بينهما وأدى إلى طلبهما الاستشارة الزوجية وانفصالهما لبعض الوقت.

خلال تلك الفترة لم يجد سميث بدا من محاسبة ذاته، ومراجعته رحلته بأكملها فنيا وإنسانيا، وتتبع تأثير شعوره بالخوف وعدم الأمان على منهجه بالحياة، وإلى أي مدى جانبه الصواب.

لكل ما سبق وغيره مما تم سرده بالسيرة الذاتية، ودون أي تغاضٍ عن العنف، يمكن فهم ما دعا سميث لصفع كريس روك خلال حفل الأوسكار 2022، في ظل شعوره بحاجته القصوى لحماية زوجته مع كل ما يحمله من إرث ثقيل من الشعور بالذنب والعار لعدم حمايته والدته صغيرا وتظاهره بالمثالية التامة -رغم أوجاعه الدفينة- طوال مسيرة تجاوزت 30 عاما، فهل يمكن لجمهوره ومن يقرؤون كتابه غفران خطيئته الكبرى أم سيظل يدفع ثمنها حتى نهاية العمر؟

المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply