نظّم الاتحاد العام التونسي للشغل مسيرة احتجاجية في تونس العاصمة تتويجا لسلسلة من التحركات الجهوية، على خلفية الاعتقالات التي طالت بعض قياداته، وما يتعرض له من استهداف تجلى واضحا في خطاب الرئيس قيس سعيد من داخل إحدى الثكنات العسكرية بلهجة تصعيدية، لا تخلو من تهديد، مستغلا في ذلك المزاج الشعبي الساخط على أداء الاتحاد، مثلما استغل سابقا نفس المزاج في الانقلاب على البرلمان.

فضلا عن التصورات الشمولية المعلنة والرافضة لكل الوسائط، بما فيها الأحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية، وهو ما مارسه قيس سعيد واقعا عبر تجاهل كل هذه الأطراف فيما اعتبره حوارا عبر تنظيم الاستشارة الإلكترونية، وصياغة دستور جديد، وتشكيل برلمان بديل عبر انتخابات رأى في نسبة الإعراض عنها المتجاوزة لـ 90% رفضا للبرلمان الشرعي، وتأييدا له ولمشروعه القاعدي، الذي يقلص من صلاحيات البرلمان التشريعية والبرلمانية، لفائدة مجالس للأقاليم والجهات يعتزم تشكيلها بعد حلّ كل المجالس المنتخبة بداية من البرلمان إلى المجالس البلدية.

الاتحاد العام التونسي للشغل نظّم مسيرة احتجاجية في العاصمة تونس (الجزيرة)

الموقف من الانقلاب

قام قيس سعيد يوم 25 يوليو/تموز 2021 بانقلاب على الشرعية، معتمدا تأويلا شاذا للفصل رقم 80 من الدستور، أنكره أهل الاختصاص من أساتذة القانون الدستوري، وساندتهم في ذلك المحكمة الأفريقية التي قضت بلا شرعية إجراءات قيس سعيد، وإلغاء المرسوم 117 الذي استحوذ من خلاله على جميع السلطات.

وقد سبق لقيادة الاتحاد الانقلاب على الفصل رقم 20 من القانون الأساسي، الذي يحدد مدة القيادة بدورتين فقط، وبالتالي فإن آلية الانقلاب قاسم مشترك بين الطرفين، لذلك لم تجد قيادة الاتحاد حرجا في مسايرة الانقلاب، وهي مستمرة إلى اليوم في التحرك تحت سقفه مهما كان مستوى التصعيد الذي ظهر مؤخرا في خطاب الأمين العام نور الدين الطبوبي.

ولقد اتخذت قيادة الاتحاد الفصل 20 من القانون الأساسي سلما للوصول إلى موقعها الحالي، ثم تنكرت له للاستمرار في المكتب التنفيذي لأجل غير مسمى، بزعم “التصدي للمؤامرات الإخوانية، وحماية النمط المجتمعي، والحفاظ على الديمقراطية”، التي انتهكتها داخل الاتحاد، وتنازلت عنها على المستوى الوطني بمسايرة الانقلاب، ونسف المسار الديمقراطي المتعثر الذي سارت فيه البلاد، وكان واعدا بمستقبل ديمقراطي راسخ في تونس والمنطقة لو منح المدى الزمني المطلوب لتراكم التجربة.

ولأسباب أيديولوجية لم تر قيادة الاتحاد في الانقلاب على الشرعية خطرا يتهدد البلاد، ومكاسب الثورة والمسار الديمقراطي فيها، وتجاهلت كل سياسات قيس سعيد “التصحيحية”، باستهداف المجلس الأعلى للقضاء، وعزل حوالي 57 قاضيا، مع الانقلاب على اتحاد الفلاحين، وتغيير تركيبة الهيئة العليا للانتخابات، وحل المجالس البلدية المنتخبة، والمضي في استشارته الإلكترونية ثم الاستفتاء والانتخابات التشريعية منفردا دون مشاركة الأحزاب السياسية وقوى المجتمع المدني.

وكل تلك الرسائل الانقلابية، المتأسسة على الأفكار المعلنة لقيس سعيد بخصوص رفض كل الوسائط، والتي تمثل تهديدا لوجود الاتحاد نفسه، تعذر ولأسباب أيديولوجية على بعض قيادات الاتحاد رؤيتها، إلى أن طالت يد العسف والاعتقال والمحاكمات الصورية القيادات النقابية نفسها، بعد أن سبقتها قيادات سياسية وحقوقية وإعلامية ورجال أعمال.

وليس لهذه القيادات النقابية من مأخذ على الانقلاب سوى انحرافه عن المسار الانقلابي الذي كانت تأمله، ورفض إشراكها في الحكم ومغانم السلطة، وغاب عنها أن الانقلابيين عموما لا يقدمون على تنفيذ مغامراتهم لأجل تحقيق إرادة الآخرين، لذلك كان قيس سعيد واضحا منذ البداية في رفضه كل دعاوى المشاركة في حركته “التصحيحية”، ليمنع كل وهم بشأن مشاركته في السلطة، حتى من موقع التابع فضلا عن موقع الشريك.

ولم يكن موقف القيادة النقابية من الانقلاب على الشرعية شاذا عن بقية منظمات المجتمع المدني، التي سايرت أغلبها مسار 25 يوليو/تموز بالخلفية الأيديولوجية نفسها، مضحية بمكاسب الثورة وبالديمقراطية والحريات، التي كان من المفروض أن تكون خط الدفاع الأول عنها، ولكنها تخلفت في ذلك عن المنتظم السياسي الذي طالما استهدفته بالتشويه، فكان أكثر منها مبدئية دفاعا عن الحريات والديمقراطية، رغم التردد الذي تبديه الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية في التنسيق مع جبهة الخلاص في مقاومة الانقلاب، ولكنها تظل وفية لمبدأ رفض الانقلاب والدفاع عن الديمقراطية وفق شروطها، التي لا تخلو من نزعات إقصائية لا تنسجم مع قيم الديمقراطية، وهو ما يحول دون توحيد جهود المعارضة، ويطيل في عمر الانقلاب، ويمنحه الوقت الكافي لترسيخ دعائم الاستبداد والدكتاتورية، مما يرفع كلفة تجاوزها على الأجيال القادمة، ما لم يبادر التونسيون بمختلف مشاربهم السياسية والفكرية لما انتدبتهم إليه جبهة الخلاص من مقاومة مشتركة تغلق قوس الانقلاب، وتعيد البلاد إلى مسارها الديمقراطي.

خطاب التصعيد

تباينت ردود الأفعال على خطاب الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي، فرأى فيه البعض تصعيدا ضد السلطة، وتطورا في الموقف دفاعا عن العمل النقابي والحريات العامة، بينما ظل البعض الآخر يرى أن الخطاب يندرج ضمن الموقف الرسمي المعلن والمساند للانقلاب، وبالتالي ليس فيه تطور يذكر بقدر ما هو محاولة لاستعادة الموقع الطبيعي في الدفاع عن النقابيين، وترميم صورة الاتحاد ومكانته التي تراجعت لدى غالبية منظورية بفعل المهادنة اللامشروط لانقلاب قيس سعيد، بالإضافة إلى السعي المتواصل لتحسين شروط التفاوض مع السلطة من أجل المشاركة في الحكم.

إن تباين الآراء بشأن خطاب الأمين العام للاتحاد يعود في الأساس إلى زاوية النظر التي يعتمدها البعض لرصد التحول في الخطاب من المساندة المطلقة للانقلاب يوم 25 يوليو/تموز، إلى التصعيد الرافض للعودة إلى نظام الاستبداد وانتهاك الحريات، بينما ينطلق آخرون في تقييمهم لموقف الاتحاد من أرضية الشرعية، فلا يرون فيه جديدا، بقدر ما هو استمرار لنفس المواقف المندرجة تحت سقف الانقلاب، وهذا الخطاب التصعيدي إنما تلجأ إليه قيادة الاتحاد كردة فعل أمام تعنت السلطة، ورفضها للحوار، وإغلاق باب المشاركة في الحكم في وجه الجميع وفي مقدمتهم الاتحاد.

ومن الضروري عند التعاطي مع قضايا الاتحاد الفصل بين المنظمة ككيان نقابي ومكسب وطني له أدوار تاريخية مشهودة، وبين القيادات التي تتداول على المكتب التنفيذي تبعا لموازين القوى داخل المنظمة، فتركيبة المكتب التنفيذي نفسه تخضع لتوازنات من المفروض أخذها بعين الاعتبار في التحليل لسياسات الاتحاد ومواقفه، إذ نقدر أن القيادات اليسارية الوظيفية في المنظمة ومثلها القومية الشعبوية لا تجد نفسها في الخطاب التصعيدي للأمين العام، بعد أن دفعت بكل قوة لما يقارب العامين لتوريط الاتحاد في دعم الانقلاب على الشرعية وتعليق المسار الديمقراطي، والتغاضي عن مسار تفكيك الدولة الذي دشنه قيس سعيد يوم 25 يوليو/تموز.

دعا بورقيبة الاتحاد إلى الالتزام بدوره النقابي، وهو الذي جره سابقا إلى مساعدته في حسم معاركه السياسية، ومن البين أن الهدف في الحالتين هو المصلحة السياسية والشخصية لبورقيبة، بينما المصلحة الوطنية كانت تقتضي بلا شك المشاركة في النضال الوطني من أجل الاستقلال

الأدوار السياسية

مع بداية تصعيد السلطة ضد اتحاد الشغل كقلعة من قلاع المجتمع في مواجهة نزعات السيطرة المطلقة على المجتمع وقواه الحية، تجدد الحديث عن الفصل بين الأدوار النقابية والسياسية، وبدأ قيس سعيد في إنكار الدور السياسي للاتحاد، متجاهلا رسائل التأييد السياسية لانقلابه بحوالي 10 بيانات اتحادية مسايرة لمسار 25 يوليو/تموز، لقد استعجل قيس سعيد الحرب على الاتحاد بسبب عدم تأييده في الاستفتاء، ورفض المشاركة في لجنة صياغة الدستور الجديد، والانتخابات التشريعية، بالإضافة إلى إصرار الاتحاد على تقديم مبادرة للحوار يرفضها قيس سعيد من حيث المبدأ، تبعا لرفضه لأي دور للوسائط وفي مقدمتها اتحاد الشغل، رغم كل المواقف المهادنة التي قدمتها قيادة الاتحاد على مذبح الثورة والمسار الديمقراطي.

ومع إعلان قيس سعيد موقفه الرافض بوضوح لأي دور سياسي للاتحاد، وضرورة الالتزام بدوره النقابي، لم تر قيادة الاتحاد في هذا الموقف سوى امتداد لمواقف السلطة عبر تاريخها. ولا شك أن العمى الأيديولوجي ما زال يشوش الرؤية على بعض قيادات الاتحاد، فتتعمد التلبيس بجمع مواقف السلطة -في كل الحقب التاريخية من الاستقلال إلى اليوم، وفي زمن الاستبداد والديمقراطية- في سلة واحدة، والحقيقة أن القيادات النقابية المساندة لانقلاب قيس سعيد تحاول التخفيف من حدّة موقف المنقلب، بحيث لا يبدو نشازا في مسار مواقف السلطة عبر تاريخ البلاد الحديث، وبالتالي فهو يدرج في السياق الطبيعي لمواقف السلطة تجاه العمل النقابي، بحيث يحتل موقف قيس سعيد موقعا طبيعيا في سلسلة مواقف الرؤساء التونسيين من بورقيبة إلى الباجي قايد السبسي، والأهم من كل ذلك الاستمرار في المعركة المقدسة بخلفيتها الأيديولوجية، عبر الدمج القسري لما يسمّونه بالعشرية السوداء -التي كان الاتحاد شريكا فاعلا في هندسة خياراتها وتشكيل حكوماتها- لتأكيد سوداويتها، وعدم انكار الانقلاب عليها، ووقف التحريض على موقف قيس سعيد، الذي يمكن استيعابه وتفهمه بعيدا عن “الاستهداف المغرض” لمسار 25 يوليو/تموز.

وتاريخيا قامت قيادة الاتحاد -ممثلة في فرحات حشاد والحبيب عاشور- بالانسحاب من الكونفدرالية العامة للشغل رفضا لهيمنة الحزب الشيوعي الفرنسي عليها، فتم سنة 1944 تكوين اتحاد النقابات المستقلة للجنوب، الذي تلاه تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل سنة 1946. ومع الأدوار النضالية الوطنية التي انخرط فيها اتحاد الشغل لتحقيق الاستقلال، حرص الزعيم بورقيبة على الاستفادة من قوة الاتحاد في فرض خياراته وفي مقدمتها القبول بفكرة الاستقلال الذاتي، ووجد في شخص الحبيب عاشور الزعيم النقابي الذي يمكن أن يعتمد عليه في حسم الخلاف داخل الحزب الدستوري، وإنجاز مؤتمره الخامس سنة 1955 في جهة صفاقس باقتراح من الحبيب عاشور نفسه، الذي ضمن تأمين إدارة المؤتمر بتجنيد ألفيْ عامل.

ومنذ ذلك التاريخ تم تقاسم الأدوار بين السلطة والاتحاد، وتداخل الدور السياسي مع الدور النقابي برضا الطرفين الفاعلين في الساحة. وكان لا بد لشخصية مثل بورقيبة أن تنقلب على كل شريك له في الحكم، خاصة إذا كان بحجم الاتحاد قوة وتنظيما، فقال بورقيبة في افتتاح المؤتمر الاستثنائي للاتحاد في يوليو/تموز 1965 “إن اتحاد الشغل لا يتجاوز كونه منظمة وطنية تهتم بالعمال من حيث الأجور وظروف العمل، أما المسائل السياسية التي تتعلق بالوطن والأمة فهي شأن الحزب”.

فمن موقع الرغبة في الانفراد بالحكم، وبسط السلطة على المجتمع، دعا بورقيبة الاتحاد إلى الالتزام بدوره النقابي، وهو الذي جره سابقا إلى مساعدته في حسم معاركه السياسية، ومن البين أن الهدف في الحالتين هو المصلحة السياسية والشخصية لبورقيبة، بينما المصلحة الوطنية كانت تقتضي بلا شك المشاركة في النضال الوطني من أجل الاستقلال، دون الصراع السياسي داخل حزب الدستور، كما كانت وستظل دائما تقتضي المشاركة في مواجهة الاستبداد والانفراد بالحكم، لأن معركة الحرية واحدة في الحالتين، سواء كانت تحررا من الاستعمار، أو دفاعا عن الحريات في مواجهة الاستبداد، فالحريات معركة سياسية تتضمن في سياقها حرية العمل النقابي، وهي بالتالي معركة وطنية لضمان الاستقرار الاجتماعي، وحماية أمن البلاد ومستقبلها.

ويشهد الجميع بمناخ الحريات بعد الثورة، حتى استنكر الكثيرون مساحة الحرية غير المسؤولة التي أفضت في الكثير من الأحيان إلى تجاوز حدود الاحترام الواجب لرموز الدولة، وانتهاك الخصوصيات والتهريج اللامسؤول في البرلمان ووسائل الإعلام، ومع ذلك اعتبرت قيادات العشرية الماضية أن ذلك من تبعات المراحل الانتقالية بعد الثورات، خاصة في بلد عاش عقودا تحت وطأة الاستبداد والدكتاتورية وقمع الحريات، وفي ذلك السياق تم الاعتراف بأكثر من 100 حزب، بعضها لا يعرف منها إلا شخص الرئيس.

وبالتالي كان من الطبيعي في مثل ذلك المناخ الديمقراطي، الذي فتح فيه المجال للتنظيم أمام الجميع بكل حرية، أن يتم الدفع باتجاه التخصص في المجال النقابي أو السياسي، دون الحاجة للانضواء تحت عباءة الاتحاد لخوض المعارك السياسية المتاحة في المجال السياسي بكل حرية، مما يعني أن معركة الحريات -التي كانت تستدعي تدخل الاتحاد أو اللجوء إليه والاستقواء به في مواجهة الأنظمة الشمولية- قد فقدت مبرراتها، لذلك يكون من باب سوء النية الخلط بين دعوة في نظام ديمقراطي للتخصص النقابي والسياسي، وبين الدعوة ذاتها في نظام استبدادي انقلابي يستبطن القضاء على الحريات عموما ومن ضمنها حرية العمل النقابي.

فمن المشروع في النظام الديمقراطي الدعوة إلى تمايز المجالات في مناخ من الحريات المضمومة، وعلى أرضية الديمقراطية التي تتيح للجميع حرية التنظيم والتعبير، وبالتالي تنتفي دواعي الخلط بين أدوار المنظمات الاجتماعية والأحزاب السياسية.

الدرس التاريخي

لم تستفد قيادة الاتحاد من التجربة التاريخية المتكررة في العلاقة مع الحكم المطلق، حيث ينفرد الاستبداد بالاتحاد بعد القضاء على الأطراف السياسية الوازنة في الساحة، وإذا كانت بعض الأطراف السياسية التي تعرضت كثيرا لاضطهاد السلطة قد استوعبت الدرس، وأصبحت تتجند بكل ثقلها لمعارك الحريات حتى عند استهداف خصومها السياسيين فضلا عن المنظمة النقابية، فإن بعض القيادات النقابية ما زالت لم تستوعب هذا الدرس التاريخي، ونراها ترتب أولوياتها بحيث يتراجع فيها ترتيب مقاومة الاستبداد أمام تصفية خلافاتها الأيديولوجية.

وكثيرا ما تغاضى الاتحاد عن معارك السلطة ضد خصومها السياسيين، قبل أن يتبين له لاحقا أنه المستهدف تاليا، فموازين القوى تختل بالكامل لصالح السلطة متى تم إقصاء أحد أطراف المعادلة السياسية في البلاد، وبما أن للسلطة منزعا للهيمنة والتسلط على قوى المجتمع بمختلف أدوارها السياسية والاجتماعية، فمن الضروري حماية الحريات كاستحقاق وطني برفض الاستبداد مهما كانت مرجعيته.

ولقد تعرض الاتحاد إلى التدجين زمن حكم الرئيس المخلوع بن علي بعد فرض سيطرته المطلقة على الساحة السياسية، وبعد الثورة وفي زمن ما تسميه قيادة الاتحاد “العشرية السوداء”، تحول الاتحاد إلى شريك أساسي في الحكم، وتشكيل الحكومات، وإدارة الحوار الوطني، وفرض حكومة التكنوقراط، ومع ذلك شن من الإضرابات ما لم تشهده البلاد طوال تاريخها، وأعلن الإضراب العام بسبب جريمة إرهابية، وليس في القانون الداخلي ما يدعو إلى الإضراب العام بسبب جريمة قتل، سوى الهدف الأساسي وهو إسقاط الحكومة، وتسليم السلطة إلى شخصيات لا علاقة لها بالثورة أو الدفاع عن الديمقراطية.

إن التصعيد النسبي في خطاب الأمين العام نور الدين الطبوبي، ضد السلطة، ينقل الاتحاد إلى موقع متقدم عن ذلك الذي اتخذه ساعة الانقلاب يوم 25 يوليو/تموز، وهو ما لا يرضي سلطة قيس سعيد، ويتجاوز المواقف المؤدلجة لبعض قيادات الاتحاد، ومن المفروض تقدير ذلك واعتباره، حتى وإن كان ذلك التصعيد بحكم الضرورة ونتيجة ضغوطات نقابية وليس اختيارا مبدئيا.

فهو بلا شك يضاعف من عزلة سلطة الانقلاب داخليا وهي تشكو من عزلة خارجية، زادها الموقف العنصري من الأفارقة حدة، كما يدعم جهود مقاومة الانقلاب حتى وإن اقتصر على جبهة الدفاع عن الحريات ورفض الاستبداد، في انتظار تطور المشهد السياسي، وتزايد الضغوط على القيادة النقابية مع تأزم الوضع الاجتماعي، واستسلام سلطة الأمر الواقع لشروط صندوق النقد الدولي، وعجزها عن الالتزام باتفاقياتها الاجتماعية، مما يدفع بالضرورة إلى تطور نوعي في تموقع الاتحاد، الذي لا يمكن أن يستمر في مسايرة النزعات الاستئصالية لبعض قياداته على حساب شعبيته، ودوره الوطني والمطالب المبدئية لمنظوريه.

وبالتالي إنقاذ البلاد من جحيم الدكتاتورية الشعبوية الناشئة، التي إن استمرت ستأتي على كل مكاسب دولة الاستقلال، وتعود بالبلاد إلى مقبرة التصحر السياسي والاجتماعي والثقافي المهدد لكيان الدولة، فلا يعلو سوى صوت الحكم المطلق الذي هو مفسدة مطلقة.

المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply