ينتظر الإيرانيون غروب شمس آخر يوم ثلاثاء في التقويم الفارسي بفارغ الصبر للاحتفال بمهرجان “جهارشنبه سوري”، أو “الأربعاء الأحمر” أو “أربعاء النار”، فيحرصون على العودة إلى بيوتهم مبكراً للمشاركة في أولى الاحتفالات الجماعية بقدوم فصل الربيع وعيد النيروز الذي يصادف 21 مارس/ آذار من كل عام.

قبيل غروب الشمس أمس الثلاثاء، تعالت أصوات المفرقعات في حي “عباس آباد” السكني قرب مصلى الإمام الخميني وسط العاصمة طهران، وبدا أشبه بساحة مناورات تتخللها صرخات الأطفال واليافعين الذين يقفزون فوق ألسنة نيران أضرموها في الأزقة، احتفالا بقدوم فصل الربيع والسنة الفارسية الجديدة التي توافق فلكيا ما يعرف بـ”الانقلاب الربيعي” وفق التقويم الشمسي.

ويردد المحتفلون لدى قفزهم فوق النار عبارة “زردي من أز تو، سرخي تو أز من”، بمعنى “خذي لوني الأصفر وأعطيني لونك الأحمر”، اعتقاداً منهم أن التخلص من اللون الأصفر سيُبعد عنهم الأمراض وصعوبات الحياة، وفي المقابل سيمنحهم اللون الأحمر الدفء والقوة والطاقة.

المحتفلون لدى قفزهم فوق النار  يرددون عبارة “خذي لوني الأصفر وأعطيني لونك الأحمر” (الفرنسية)

إشعال النار

على مقربة من قوات الأمن التي انتشرت منذ ساعات العصر في الشوارع الرئيسة، بدت الكوادر الطبية وهيئة الطوارئ على أهبة الاستعداد للتعامل مع حالات الحروق التي تكثر في هذه الاحتفالات، والتي تخلف عادةً مئات القتلى والجرحى كل عام جراء الاستخدام الخاطئ للألعاب النارية.

بعيدا عن صخب الشارع، استضاف الحاج منوجهر (68 عاماً) الجزيرة نت في بيته بشارع باكستان، على مقربة من مصلى الإمام الخميني، للحديث عن طقوس “جهارشنبه سوري”، موضحاً أن الإيرانيين القدامى يشعلون النار في جميع طقوسهم الدينية والوطنية لما تحمل من دلالات رمزية إيجابية، منها النور والطهارة وعظمة الخالق وحسن الحظ.

وبعدما أوقد الحاج منوجهر نارا في وعاء نحاسي صغير في مرآب السيارات بالطابق الأرضي من العمارة التي يسكن فيها وزوجته جميلة (64 عاماً)، قفزا فوقها ثم رفعا أيديهما إلى السماء ليسألا الله أن يجعل السنة الجديدة مفعمة بالخير والعطاء على بلادهما، قبل أن يبرد الرماد ويرميه بنفسه بعيداً عن البيت.

يوضح الحاج منوجهر أن الإيرانيين القدامى منذ 4 آلاف عام لا يطفئون نار “جهارشنبه سوري” حتى فجر الأربعاء، لأنهم يعتقدون أنها ستجلب لهم مع بزوغ الشمس العافية والسرور وتبعد عنهم الأمراض والنحس والشرور.

يعتبر إشعال النار أحد الطقوس الرئيسية في جهارشنبه سوري (الجزيرة).jpg
إشعال النار أحد الطقوس الرئيسية في احتفالات “جهارشنبه سوري” (الجزيرة)

دلالة التسمية

ويشرح الحاج منوجهر أن فلسفة القفز 3 مرات فوق النار تهدف إلى دفع الشر والأمراض والنحس ليحل محلها الخير والبركة والصحة، واصفاً إيقاد النار بأنه أحد الطقوس الرئيسة في “جهارشنبه سوري”.

وأوضح أن المناسبة تتكون من قسمين: الأول “جهارشنبه” بمعنى يوم الأربعاء، والثاني “سوري” ويعني الفرح والبهجة. كما تدل مفردة سوري على الورود الحمراء في الأدب الفارسي، ومن هنا تأتي تسمية “الأربعاء الأحمر”.

وانتقد “العادات الدخيلة” على الثقافة الفارسية في هذه الاحتفالات، مثل الألعاب النارية والمفرقعات، والإفراط في إشعال النيران التي تتحول إلى تهديد لحياة المارة.

غير أن الكثير من طقوس “الأربعاء الأحمر” قد طمست منذ عقود، منها “قاشق زني” (ضرب الأواني بالملعقة)، حيث تغطي الفتيات وجوههن لكي لا يعرفهن أحد، ثم يضربن الأواني بالملعقة أمام 7 بيوت حتى يهديهن أهلها شيئا، كالحلويات أو غيرها، ويضعنه في ماعون يحملنه معهن ويدعون لهم بتحقيق أمنياتهم.

جهارشنبه سوري.. هكذا يحتفل الإيرانيون بآخر ثلاثاء في التقويم الفارسي
تقليد “فال كوش” يتم بالنزول المفاجئ إلى الشوارع والتفاؤل بخير أو التشاؤم بشر للعام المقبل (الجزيرة)

طقوس وتقاليد قديمة

وعلى وقع أصوات المفرقعات والانفجارات في أرجاء طهران، أصرّت الحاجة جميلة على تكذيب مزحة زوجها منوجهر بأنه تقدم لطلب يدها عقب طرقها الأواني بالملعقة أمام بيت أبيه قبل 5 عقود، واستذكرت تقليداً آخر يتمثل في وضع الفحم والملح والنقود المعدنية في جرة فخارية، ثم رميها من فوق سطح المنزل، وذلك بعد أن يقوم أفراد الأسرة فرداً فرداً بإدارتها حول نفسه.

وربطت الحاجة جميلة طقس رمي الجرة الفخارية بدفع البلاء، موضحة أن الفحم يدل على سوء الحظ والملح يدل على عين الحاسد والنقود ترمز إلى البركة لدى الإيرانيين القدامى، وبذلك يتفاءلون بإلقاء الجرة من فوق السطح لتحقيق الأمنيات ودفع الشرور وذر الملح في عين الحاسد الحقود.

وعن تقليد “فال كوش” الشهير في ليلة “جهارشنبه سوري”، قالت إن جيلها لا يزال يحيي هذا التقليد من خلال النزول المفاجئ إلى الشوارع المزدحمة والاستماع إلى كلام المارة والتفاؤل بخير أو التشاؤم بشر للعام المقبل، بحسب الكلام الذي يدور على ألسنتهم.

في غضون ذلك، ذكرت وكالة أنباء “إسنا” شبه الرسمية أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) أدرجت قبل عامين احتفالات “جهارشنبه سوري”، في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية باسم الدول المشاركة في طريق الحرير، ومنها إيران.

المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply