هل وجدتَ نفسكَ قلِقًا أكثر من المعتاد بسبب السياسة وحالة العالَم مؤخرًا؟ هل تقلق من الاتجاه الذي يسير فيه العالَم من كلّ هذه الاحتمالات الممكنة؟ هل سترتفع أسعار النفط بسبب الأزمة السياسية بين هذين البلدين؟ أو لعلّك تتساءل: هل يجب عليّ أن أبيع الذهب الذي أدّخره لأنّ أسعاره ستنخفض بفعل الحرب التي من المتوقّع أن تحدث في قادم الأيام؟ هل ستقع حرب نووية؟ هل سيكون هناك حرب عالمية ثالثة؟ هل يسألك ابنك عمّا إذا كان من الممكن أن تقع حرب مدمّرة؟

 

هل تتأثّر نفسيًّا بكلّ هذه التساؤلات وكلّ هذه التوتّرات والأخبار العالمية وتشعر بأنّ هذا يؤثر سلبًا على حالتك العاطفية وحتى صحتك الجسدية؟ إذا كان الأمر كذلك، فأنتَ لست وحدك. في الواقع، حتّى وإن لم تكن تشعر بذلك مباشرةً، فقد أثبتت دراسة استقصائية للصحّة النفسية(1) أنّ أكثر من 65% من النّاس عادةً ما يشعرون بالتوتّر والقلق من عدم اليقين بسبب الأخبار والأحداث السياسية.

 

وإذا كان لديك أي أطفال صغار أبناء أو بنات يذهبون إلى المدرسة أو يختلطون بأصدقائهم، فإنّهم في الغالب وبحسب إحدى الدراسات وعند وقوع الأزمات السياسية، تزداد أسئلة الأطفال لأهاليهم وتتعاظم مخاوفهم من إمكانية أن تحدث حرب مدمّرة، حتى وإن كانت بعيدة(2)، فهُم يجهلون المعطيات الواقعية للأشياء، وقد يُسيؤون تقدير آثارها. من هنا، فإنّك وإن كنت لا تشعر شخصيًّا بالتوتّر، فمن المحتمل أن أحد الأشخاص المقرّبين من حولك يشعر بالهلع والخوف من إمكانية ما قد يحدث. هذا المقال -تحديدًا- سيساعدك على كيفية إدارة هذا القلق، وعلى كيفية التعاطي مع نفسك أو أحد أقربائك في حال كان لديه هذا الذعر أو الخوف الذي تسبّبه الأحداث السياسية العالمية.

 

ما ينبغي أن تعرفه

الخوف من الاخبار

يمكن أن يؤثر التغيير السياسي علينا نحن البشر بطرق مختلفة، فالأحداث الكبيرة التي تجري من حولنا، حتّى البعيدة منها، نشعر كما لو أنّها تحدث خارج عتبات بيوتنا، فتبدو لنا بأنّها أقرب ممّا نتخيّل، وذلك بفعل منصّات التواصل الاجتماعي، وبفعل قدرة التقنية على نقل الأحداث بالصوت والصورة، بالإضافة إلى النقاشات والمنشورات الهائلة التي يتداولها الأصدقاء ومَن حولنا على حساباتهم. وبالنسبة إلى الكثيرين منا، فإن انتقال السلطات السياسية وعدم اليقين قد يتسبب في التوتر والقلق بشأن مستقبل بلدنا.

 

تكمن المشكلة الأساسية في سرعة التحوّلات وفجائية الأزمات في العالَم المُعاصر، إذ بحسب الفيلسوفة الفرنسية “تيريز دلباش” في كتابها “التوحّش: عودة البربرية”، فإنّ الإنسان اليوم كائن مذعور وخائف يسهل إصابته بنوبة هلع بفعل طبيعة العالم الحديثة القائم على مبدأ اللامتوقَّع والتغيّرات المفاجئة التي أدّت إلى خلق شعور باللاوعي الجمعي للبشرية بأنّ البشرية مندفعة نحو ملحمة مجنونة، وصار لدينا قناعات راسخة بإمكانية حدوث أي شيء في أي وقت، وفوق هذا كلّه قد تَعرّضنا للتشويش الذهني والأخلاقي وعدم قدرتنا على فهم ما يجري حولنا بسبب زخم المعلومات وشدّة تتالي الأحداث وتعاقبها بسرعة كبيرة، ولهذا تقول في كتابها(3):

“اللامُتوقّع لم يَعُد اليوم مفهومًا غريبًا كما كان منذ 100 سنة فقط، بل صار جُزءًا من حياتنا، وعلامة مُميّزة للعلاقات الإستراتيجية لهذا الزمان”.

من هنا تأتي أهمّية أن يتحضّر أي إنسان نفسيًّا لمواجهة ومجابهة التحدّيات والمخاطر والتقلّبات التي يحملها المستقبل للنّاس، فمن الصحيح أنّه لا يمكننا أن نتفادى جميع المخاطر القادمة، لكن بإمكاننا على الأقل أن نتحصّن نفسيًّا لنكون أكثر استقرارًا داخليًّا، وأن نتسلّح بأدوات نفسية تُعيننا على التفكير بشكلٍ سويّ في وقت الأزمات والكوارث، وأن نُلهم الآخرين بأن يُسيطروا على مخاوفهم وذعرهم وأن نقف إلى جنبهم وأن نساندهم.

 

لماذا من المهم إدارة القلق الناجم عن الأخبار السياسية؟

إدارة القلق

يُقال إنّ “ليون تروتسكي”(3) قال ذات مرّة: مَن كان يَتُوق إلى حياة هادئة، فقد أخطأ الطريق حين أتى إلى العالم في القرن العشرين. إذا كان هذا كلام تروتسكي عن القرن العشرين، فماذا عسانا أن نقول لمن يعيش اليوم في القرن الحادي والعشرين مع كلّ هذه الأحداث الصاخبة؛ أوبئة وحروب وأحداث مجنونة هنا وهناك تأتي من كل حدب وصوب وتباغت الهدوء والاستقرار النفسي الذي يحاول أحدنا أن يُؤسّسه لنفسه.

 

تكمن أهمّية معرفة طبيعة العالَم اليوم بأنّها الطريقة الوحيدة للتعاطي معه، فالإنسان لا يستطيع أن يتعامل مع ما لا يفهمه، وبحسب علماء الاجتماع والسياسة، فإنّ هذه التقلّبات والتوتّرات والفجائية وعدم اليقين الذي يُخيّم على العالم والاحتمالات اللانهائية لما يمكن أن يحدث في الغد، كلّ هذا يُشكّل مَلمَحًا خاصًّا يُميّز العصر الذي نعيش فيه عن باقي العصور السابقة(4).

 

لا يمكننا أن نعيش عالَمًا لا صراع فيه، لا يمكننا أن نعيش حياة بلا مصائب وبلا مشكلات، ما دام على الأرض أكثر من شخص واحد فسيظلّ هناك صراع دائمًا على شيء ما، لأسباب اقتصادية واجتماعية ونفسية. الصراع هو أحد الأسباب الرئيسة للتوتر الذي نواجهه في حياتنا، سواء كان الصراع من زملاء العمل أو من الأسرة أو في السوق أو من أصدقائنا أو حتى من الأشخاص الذين نلتقي بهم في الشارع. دائمًا ما يتسبب أي صراع تقريبًا في خسائر ما لأحد الأطراف أو جميعها.

 

كما أنّ الصراع يتعلّق بانحيازات نفسية عميقة كامنة في دواخلنا نحن البشر، فحين يحصل صراع ما، فإنّ هذا من شأنه أن يُثير في داخلنا غريزة البقاء التي من شأنها أن تحفّز حاجاتٍ عميقةً تجعلنا غريزيًّا نشعر بالحاجة إلى الانتماء والتعصّب والانحياز للجماعة التي تمثّلنا، وأن نكون أكثر عدائية وأقلّ إنصافًا مع الجماعات التي تخالفنا، رغبةً منّا بتخليد أنفسنا والبقاء على قيد الحياة وإيجاد التسويات والحلول التي تحقّق هذه الغاية، وحين نعجز عن الوصول لتسوية أو حلّ لهذه المخاوف وعدم اليقين مما يُمكن أن يجري، فإنّ هذا من شأنه أن يستنزفنا نفسيًّا وأن ينعكس على صحّتنا النفسية والجسدية بشكلٍ سيئ وضار(5).

 

تلعب النقاشات السياسية على منصّات التواصل الاجتماعي أيضًا دورًا مهمًّا في تأجيج الصراع وفي إشعال فتيل الأزمة النفسية التي تتولّد في داخلنا. إنّ النزاعات السياسية مرهقة بشكل خاص لأن الآراء السياسية يمكن أن تكون شديدة الانقسام بين أفراد العائلة الواحدة، أيّ إنّ الآراء السياسية من السهل أن يختلف بينها أفراد المنزل الواحد اختلافًا حادًّا قد يؤدّي إلى المشاحنة والشعور بالتهديد. فإذا كان هذا يجري على مستوى الأسرة الواحدة، فتخيّل حجم الاختلافات والتوتّرات التي قد تحدث على مستوى الأصدقاء، ومن ثَمّ على مستوى زملاء العمل وعلى مستوى البلد الواحد، والتي من شأنها أن تُحدِث قلقًا نفسيًّا بحكم تفكّك مصادر وشبكات الأمان الطبيعية والتلقائية التي تمنحنا إيّاها الحياة الاجتماعية.

 

لا يحب الكثير من الناس قبول فكرة “الاختلاف”، لكنهم يفضّلون إقناع الأشخاص الذين لديهم آراء متعارضة بأن وجهات نظرهم “غير صحيحة”؛ الأمر الذي قد يأتي بنتائج عكسية، خاصةً عند مناقشة الآراء السياسية. يمكن لوسائل الإعلام الاجتماعية والمناقشات عبر الإنترنت أن تُسهم في فظاظة واستقطاب بعض هذه المناقشات السياسية.

 

ماذا أفعل للتخلّص من القلق والتوتّر بسبب الحروب والأخبار السياسية؟

إدارة الذعر

  • أولًا: اِبقَ على اطّلاع، لكن ضع حدودًا لجرعتك اليومية من الأخبار

ضع في اعتبارك مقدار الأخبار التي تتلقاها وتأثير هذه المعلومات عليك. إن كنت منشغلًا بالأحداث العالمية أو المحلّية وتتعارض مع حياتك اليومية، فقد تكون هذه إشارة إلى ضرورة تقليص حجم المدخلات من الأخبار والحد من مناقشات وسائل التواصل الاجتماعي. على سبيل المثال، قد يجد بعض الأشخاص أنه من المفيد تحديد جزء قصير من الوقت في الصباح وآخَر في المساء لمتابعة الأخبار دون التحقق من كل تحديث جديد خلال اليوم. أثناء “فترات الراحة الرقمية”، خصِّص وقتًا للتركيز على شيء ممتع، مثل هواية أو ممارسة الرياضة أو قضاء الوقت مع العائلة والأصدقاء.

 

  • ثانيًا: ابحث عن القواسم المشتركة مع الآخرين

نتواصل كل يوم مع أشخاص تختلف معتقداتهم عن معتقداتنا وتوجّهاتهم السياسية عن توجّهاتنا. ينبغي أن تقدّر بحسب خبرتك الأشخاص الذين سترغب بالنقاش معهم لمعرفتك بأنّهم يناقشون بطريقة عقلانية وهادئة، أمّا أولئك الذين يعتبرون أي نقاش سياسي هو خلاف شخصي، فتجنّب المناقشات الساخنة، وحاوِل تحديد القواسم المشتركة في وجهات النظر المختلفة. في بعض الأحيان يمكن أن تأتي وجهات نظر مختلفة من مبدأ أساسي مماثل. كن منفتحًا على سماع قصة الشخص الآخر، ومن ثمّ تحقق من آرائه وأفكاره لاحقًا. عندما نوجّه طريقة تفكيرنا بهذه الطريقة، قد يكون من الأسهل أن نتسامح مع الأشخاص ذوي وجهات النظر المختلفة، أو نفهمهم، بل وربما نعمل معًا على هدف مشترك. إن وجدت صعوبة في مناقشة القضايا السياسية بطريقة هادئة وبنّاءة، فقد يكون من الأفضل الانسحاب من المحادثة وعدم خوضها أساسًا.

 

  • ثالثًا: ابحث عن طرق مفيدة للانخراط في مجتمعك

تحديد القضايا التي تهمك، وتحديد نطاق التأثير الخاصّ بك قد تكون أهمّ خطوة علاجية، يتولّد أي ذعر أو أزمة من شعور المرء بعجزه عن إحداث التغيير، أو عن السيطرة عمّا يجري، لذلك أوّل ما ينبغي أن تفكّر به هو أن تحدّد المسائل التي تخضع لتأثيرك وبإمكانك السيطرة عليها، لذلك قُم بتقليص دوائر التأثير ونطاق العمل الاجتماعي بما يخدم الأقرباء وأهل الحي وأهل بلدتك. تواصل مع الجمعيات الخيرية وابحث معهم كيف يمكنك ضم جهودك إلى جهودهم وطبيعة التدخّل الذي بإمكانك تقديمه لهم. يمكنك أيضًا التفكير في الانخراط في السياسة المحلية، حيث يمكن رؤية التأثير المباشر لجهودك. احضر اجتماع مجلس المدينة للاستماع ومشاركة أفكارك مع المسؤولين المنتخَبين. يمكن أن يؤدي اتخاذ خطوات فعّالة لمعالجة مخاوفك إلى تقليل الشعور بالتوتر.

 

  • رابعًا: ابحث عن الدعم النفسي الاجتماعي من الدوائر القريبة

يمكن للتجمّعات الدينية والذهاب إلى المسجد والتواصل مع من يشتركون معك في المعتقدات والممارسات الدينية أن تعزّز من شعورك بالأمان النفسي. بالإضافة إلى الأندية المجتمعية التي تقدم الدعم العاطفي والروحاني الحيوي خلال الأوقات العصيبة. يمكن أن يساعدك الانخراط في أنشطة مُهدّئة، مثل التأمّل أو الاسترخاء التدريجي، على التواصل مع اللحظة الحالية وإيجاد بعض الهدوء.

 

  • خامسًا: اعتَنِ بنفسك

نظرًا إلى أن التوتر يمكن أن يكون له تأثير جسدي وعاطفي على صحتك العامة، ابحث عن الأنشطة التي تستمتع بها لمساعدتك على إعادة الشحن وتقليل التوتر، مثل ممارسة الرياضة أو الاستماع إلى الموسيقى المفضلة لديك أو قضاء الوقت مع العائلة والأصدقاء المقربين. من المهم إعطاء الأولوية من أجل الحصول على قسط كافٍ من النوم وتناول الأطعمة الصحية، وتجنب آليات التأقلم غير الفعالة مثل تعاطي الكحول أو التدخين أو الانسحاب الاجتماعي.

تخفيف التوتر

 

أدوات ستساعدك

 

  • جدول إعادة بناء الأفكار

جدول إعادة بناء الأفكار

  • تطبيقات هاتفية لممارسة التأمل

تطبيق توازن: يوفّر التطبيق جلسات قصيرة باللغة العربية يمكنك الاستماع لها أثناء ممارستك التأمل.

 

  • استشر طبيبًا أو معالجًا نفسيًا، في حال تفاقم هذه المشكلة

إن بدأ التوتر في التدخل في روتينك اليومي لفترة طويلة من الوقت، أو إن كنت غير قادر على إدارة التوتر بنفسك، فقد يكون الوقت قد حان لرؤية طبيب نفساني أو غيره من أخصائيي الصحة العقلية المرخصين. يُدرَّب علماء النفس على فهم العلاقة بين العقل والجسد، ويمكنهم مساعدتك في تحديد مجالات المشكلات ووضع خطة عمل لتغييرها.

————————————————————————

المصادر والمراجع:

  1. STRESS IN AMERICA™ 2020 A National Mental Health Crisis – APA
  2. 4 in 10 British parents indicate children are anxious about threat of terrorism | Mental Health Foundation – 2019
  3. التوحش: عودة البربرية في القرن الواحد والعشرين – تيريز دلباش 2009
  4. The Uncontrollability of the World – Hartmut Rosa (2020)
  5. The Relationship Between Uncertainty and Affect. Anderson EC, Carleton RN, Diefenbach M, Han PKJ. (2019)
  6. Is Political Activism on Social Media an Initiator of Psychological Stress? Hisam A, Safoor I, Khurshid N, Aslam A, Zaid F, Muzaffar A (2017)

Share.

رئيسة تحرير موقع شام بوست والمشرف العام عليه

Leave A Reply