جينة: لم نشهد قط في أسوأ أيام الفصل العنصري، طائرات هليكوبتر وطائرات حربية تحلق فوق مناطق سكنية سوداء ولا دبابات تجوب تلك المناطق وتقصف منازلنا وتطلق قذائف وصواريخ على مدارسنا.

الناشط السابق ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا نعيم جينة، عندما سافر إلى إسرائيل، اتضح له أن الفصل العنصري في إسرائيل أسوأ من الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، حيث أركان الفصل العنصري المركزية الثلاثة من تصنيف للسكان وحرمان من حرية اختيار مكان الإقامة وتضييق في التنقل وغياب للأمن هي نفسها تماما.

بهذه المقدمة مهد موقع أوريان 21 (OrientXXI) الفرنسي لمقال كتبه نعيم جينة، المدير التنفيذي لمركز أفريقيا والشرق الأوسط بجنوب أفريقيا، ونائب رئيس معهد دينيس هيرلي للسلام، قال فيه إن زيارة فلسطين، وخاصة الجزء الإسرائيلي، يمكن أن تكون تجربة مؤلمة وتذكيرا بماض يتسم بالتمييز و”التنمية المنفصلة” وسرقة الأراضي والعنف الشديد وسيطرة الدولة.

إسرائيل أسوأ

وأوضح الكاتب أنه اكتشف تشابها كبيرا بين إسرائيل ونظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وإن كانت إسرائيل أسوأ بكثير، مشيرا إلى أنه ليس أول من يلاحظ ذلك، بل سبقه كثيرون، من بينهم دينيس غولدبرغ الذي حوكم مع نيلسون مانديلا، وقال حين زار إسرائيل، إنها المكافئ الشرق أوسطي للفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وظل يدعم حركة مقاطعة الاستثمارات (بي دي إس) حتى وفاته عام 2020.

وأشار الكاتب إلى قول رئيس أساقفة جنوب أفريقيا دسموند توتو “لقد تأثرت بشدة أثناء زيارتي للأراضي المقدسة، ذكرتني بما حدث لنا نحن السود في جنوب أفريقيا، وبأن منظمة هيومن رايتس ووتش والمنظمة الإسرائيلية غير الحكومية بتسيلم والعديد من المنظمات الفلسطينية، تبنت وصف ما يحدث في إسرائيل بمصطلح الفصل العنصري”.

تمييز اليهود على غيرهم

وذكر الكاتب أنه رغم أن الفصل العنصري يقوم على 3 ركائز أساسية، هي تصنيف السكان على أساس عرقي والتحكم في حرية السكن والتنقل ثم الأمن، فإن الصيغة الإسرائيلية منه تختلف عن الجنوب أفريقية في بعض الأوجه، حيث يصنف البيض في جنوب أفريقيا أولا يليهم الهنود ثم الملونون، ويبقى السود في أسفل السلم، في حين أن اليهود في فلسطين لهم امتياز على كل من سواهم.

وأضاف أن جنوب أفريقيا أجبرت مجموعات مختلفة على الإقامة في مناطق جغرافية مختلفة، وقيدت حركة الناس بين تلك المناطق، وخصصت للسود “بانتوستانات” يحملون جنسيتها لحرمانهم من جنسية “جمهورية جنوب أفريقيا”، في حين يُحرم الفلسطينيون من أي وضع قانوني.

وأشار إلى أن “الأمن” في جنوب أفريقيا كان يقوم على القمع والاعتقال الإداري والتعذيب والرقابة والحظر والقتل خارج نطاق القضاء داخل وخارج البلاد، ولم يكن يستهدف النشطاء فحسب، بل أي شخص ينتهك قوانين المرور، “لكننا لم نشهد قط في أسوأ أيام الفصل العنصري، طائرات مروحية وطائرات حربية تحلق فوق مناطق سكنية سوداء، ولا دبابات تجوب تلك المناطق وتقصف منازلنا وتطلق قذائف وصواريخ على مدارسنا”.

وفي إسرائيل -كما يقول الكاتب- يقوم الفصل العنصري على الركائز الثلاث نفسها، ولكن مع اختلاف، إذ يحدد قانون العودة لعام 1950 هوية اليهودي، ويمنح اليهود من جميع أنحاء العالم الحق في الهجرة إلى إسرائيل (الأراضي الفلسطينية المحتلة)، ويحرم الفلسطينيين من أي وضع، ويعلن القانون أن إسرائيل “دولة يهودية”، رغم أن أكثر من 20% من سكانها ليسوا يهودا، ويكرس فكرة أن هناك فرقا بين المواطنة والجنسية، في حين لا يمكن في جنوب أفريقيا أن تعلن الدولة أن البيض في كل مكان يحملون جنسيتها، وأن السود والهنود والملونين يحملون جنسيتها ولكنهم ليسوا مواطنين.

التمييز في الحياة اليومية

ويستمر الكاتب ليقول إن التمييز في إسرائيل يشمل قيودا على المزايا الاجتماعية وما يمكن تدريسه وتعلمه في المدارس، وأنواعا معينة من الوظائف، كما يُحرم الفلسطينيون من حق مغادرة بلادهم والعودة إليها ومن حرية التنقل والإقامة ومن حق الوصول إلى الأرض، ويتجلى هذا التباين في المعاملة من خلال تطبيق قوانين أكثر صرامة ومحاكم مختلفة للفلسطينيين مقارنة مع المستوطنين اليهود.

ويدعم “قانون أملاك الغائبين” الركيزة الثانية للفصل العنصري في إسرائيل، بحيث يضمن سرقة الأراضي على نطاق واسع، بحيث تكون أراضي إسرائيل مقسمة إلى أراضي وطنية تمثل 93% من الأراضي، وهي مخصصة للاستخدام الحصري لليهود، وأراضي خاصة تمثل 7%، ويمكن للفلسطينيين الإسرائيليين التملك داخلها، وبالتالي فإن 20% من السكان يمكنهم فقط استخدام جزء من هذه النسبة البالغة 7%.

سرقة الأراضي الفلسطينية

وتُترجم الركيزة الثانية للفصل العنصري في الأراضي المحتلة إلى تجزئة، بحيث تتم السرقة الإسرائيلية الهائلة للأراضي الفلسطينية بطرق مختلفة، من بينها جدار الفصل العنصري وحصار غزة المحكم وفصل القدس الشرقية عن باقي الضفة الغربية، وتقسيم الضفة نفسها إلى شبكة من المستوطنات اليهودية المتصلة والجيوب الفلسطينية المحاصرة غير المتجاورة.

ولا يُسمح لليهود الإسرائيليين بدخول هذه “البانتوستانات”، تماما كما لم يُسمح للبيض بدخول البلدات الأفريقية، لكنهم يتمتعون بحرية الحركة في بقية الأراضي الفلسطينية، “وقد رأيت سيارات تسير بهدوء على طرق مخصصة للمستوطنين اليهود، وحتى دولة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا لم تبن طرقا منفصلة لمجموعات عرقية مختلفة”.

الفصل أوضح في الخليل

ولاحظ الكاتب أن الركائز الثلاث تبدو أكثر وضوحا في مدينة الخليل، إذ شاهد مقتل فلسطيني على يد عنصري صهيوني في مكان عبادة، كما شاهد أن المستوطنين يعيشون حرفيا فوق الفلسطينيين ويلقون القمامة على رؤوسهم، ويغلقون مداخل منازل الفلسطينيين، وإغلاق شوارع فلسطينية بأكملها كانت ذات يوم مناطق تجارية نابضة بالحياة وإعلانها للاستخدام اليهودي فقط.

ومع أن بعض المعلقين -يقول الكاتب- يرون أن دور الدين في السياق الفلسطيني يختلف عنه في جنوب أفريقيا، ولكن ذلك -كما يرى الكاتب- خطأ، لأن الفصل العنصري في جنوب أفريقيا يتم تبريره على أساس الكتاب المقدس، والدين أداة للقمع في جنوب أفريقيا كما هو في فلسطين.

المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply