“نحن سعداء وجاهزون لمغادرة كوكب الأرض”، “إذا لم نَحْيَ بسلام، فلنمت بسلام”. عبارات قد تبدو سينمائية ودرامية بعض الشيء، غير أنها بالفعل رسائل حقيقية لمجموعات مختلفة أقدمت على إنهاء حياتها بشكل جماعي، نعم، جماعي! بالرغم من مأساوية الأمر، فإن اختيار الفرد إنهاء حياته هو أمر عرفته البشرية منذ الأزل، لكن أن تتفق مجموعة من الأفراد على إنهاء حياتهم معا في آن واحد! قد يبدو أمر كهذا عصيا على التصديق. في هذا التقرير، نتعرف إلى أشهر حوادث الانتحار الجماعي التي سجلها التاريخ، وإلى الأسباب التي قد تدفع جماعة بعينها إلى ارتكاب فعل كهذا من منظور نفسي.

1. جيم جونز ومعبد الناس (People’s Temple)

المكان: جونز تاون، جمهورية غيانا. الزمان: صباح الـ18 من نوفمبر عام 1978. أما الحدث فكان استيقاظ العالم على ما يُعرف اليوم بأكبر حادثة انتحار جماعي في التاريخ الحديث، والتي أقدم عليها 912 شخصا، من ضمنهم 276 طفلا. ولِنَعرف لماذا، لا بد لنا من أن نعود بالزمن إلى الوراء قليلا.

وصرة لأكبر حادثة انتحار جماعي في التاريخ الحديث 1978 (مواقع التواصل)

في عام ١٩٣٠، وسط الكساد الاقتصادي الكبير الذي شهدته الولايات المتحدة الأميركية، وتحديدا في إنديانا، وُلد جيمس وارن جونز لأب أثخنته جراح الحرب العالمية ولم يعد قادرا على رعاية العائلة، وأم اضطرت لمغادرة المنزل والعمل ساعات طويلة. وبالرغم من الغياب الجسدي والمعنوي لوالديه خلال طفولته، تذكر مصادر عديدة أن العلاقة بين الأم وابنها تمحورت بشكل أساسي حول الحديث مع طفلها حول مواضيع كبيرة -أكبر من سنّه الصغيرة- كالمغزى من الحياة، وإعادة الخلق، والموت. وهذا الأخير تحديدا لم يكن موضوعا غير اعتيادي أو مثير للقلق لدى جونز الطفل، إذ مسقط رأسه هي ولاية تشتهر بصناعتها وتصديرها للتوابيت. ويذكر من يعرفه أنه كان يُبدي اهتماما شديدا بالموت وكل ما يتعلق به، كما قام خلال طفولته بقتل بضعة حيوانات أليفة وأدّى طقوسا جنائزية لدفنها.

بالعودة إلى علاقته مع والدته، يتضح أنها بالإضافة لحديثها الجاد معه، فإنها ألبسته منذ طفولته عباءة البطل والمنقذ لأسرته ولمجتمعه، إذ إنه من سيُعيل الأسرة بعد والده الذي لم يعد يستطيع الإعالة أو الاعتناء بأسرته، كما أنمت بداخله قيم السعي لتحقيق العدالة والمساواة بمستوى لا يتلاءم وعمره الصغير حينذاك. يُمكن القول إذن إن والدته لعبت دورا محوريا في بناء الشخص الذي أصبح عليه لاحقا، إذ نجده في سنواته اللاحقة طالبا استثنائيا يتجول مرتديا ملابس على الطراز الشرقي مثل غاندي، ويُلقي الخطابات والمواعظ التبشيرية على من حوله بمهارة عالية. لقد كانت جاذبيته إحدى السمات التي ميزته طوال حياته، ومكنته من الوصول إلى أهدافه اللاحقة.

بعد الاهتمام المتزايد الذي تلقاه معبد الناس في المنطقة، اتخذ جونز قرارا بمغادرة الولايات المتحدة الأميركية إلى جمهورية غيانا في أميركا الجنوبية، معللا ذلك برغبته في حماية أتباعه من الخطر المُحيط بهم، إلا أنه لاحقا، وبعد تداول أخبار حول انتهاكات لحقوق الإنسان في تلك المدينة، توجه عضو الكونغرس الأميركي “ليو رايان” في زيارة إلى هناك لتفقد الوضع، غير أن حرّاس جيم جونز قاموا بقتله وصحافيين مرافقين له. هذه الأحداث كانت بمثابة فتيل أشعل الحادثة، إذ أمر جونز أتباعه بالانتحار بعد أن أوهمهم أنه لا مفر من مواجهة الخطر القادم: “إذا لم نَحْيَ بسلام، فلنمت بسلام”، ليقوموا جميعا بتناول سم السيانيد، بدءا بالأطفال، ثم البالغين، وانتهاء بانتحار جيم جونز بعيار ناري وجّهه إلى رأسه.

2. بوابة السماء (Heaven’s Gate)

ربما لم يخطر ببال أحد ممن قرأ ما كتبته طائفة بوابة السماء على موقعها الإلكتروني أنه يقرأ رسالة انتحار جماعي، ولكن هذا هو تحديدا ما تجده في الصفحة الرئيسية لموقعها الذي ما زال قائما حتى اللحظة، والتي تقول: “نحن سعداء وجاهزون لمغادرة كوكب الأرض”.

تأسست طائفة بوابة السماء في أوائل السبعينيات على يد “مارشال هيرف أبل وايت” وزوجته “بوني نيتلز” باعتقاد منهما أنهما مختاران ومذكوران في الكتاب المقدس، وأنهما في مهمة لإنقاذ البشر من كوكب الأرض، وعلى من يريد النجاة بنفسه أن ينضم لبوابة السماء كي يتم إنقاذه وإرساله إلى مرحلة أعلى من الوجود خارج الأرض، بل كانوا يعرضون مقاعد للبيع على متن السفينة الفضائية المزعومة التي ستأخذهم إلى خارج الأرض.

مارشال هيرف أبل وايت (مواقع التواصل الاجتماعي)

لكن خلال تلك الفترة، أُصيبت “بوني” بالسرطان وتوفيت على إثره، لكن ذلك لم يثبط من عزيمة زوجها على إتمام ما بدأه، حيث أخبر أعضاء الطائفة أن مهمتها على كوكب الأرض انتهت، وأنها سبقتهم إلى الفضاء تمهيدا لاستقبالهم، وبذلك عليهم أيضا أن يُغادروا بأجسادهم لحاقا بها. في مارس من عام ١٩٩٧، تزامنا مع اقتراب مذنب “هال-بوب” (مُذنب فضائي نُسب اكتشافه إلى عالمَي فضاء أميركيين، ويتميز بوضوحه وقدرة العين المجردة على تمييزه وملاحظته) من الأرض، تلقت الشرطة اتصالا من عضو سابق في الطائفة، وهرعت على إثره إلى المنزل الذي تسكن فيه الطائفة، لتجد ٣٩ شخصا رحلوا بهدوء تام بعد أن ارتدوا ملابس وأحذية متطابقة، غطّوا رؤوسهم، ثم تناولوا السم واستلقوا في أسرتهم.

3.  حادثة عائلة بوراي في الهند

بالرغم من أن غالبية وقائع الانتحار الجماعي تتضمن طائفة أو مجموعة ما، فإنها لا تقتصر عليهم فقط، إذ قبل ما يقارب 5 أعوام أقدم 11 فردا من عائلة واحدة في الهند على إنهاء حياتهم بشكل بدا مفاجئا. تصاعدت شكوك في اللحظات الأولى حول شبهة جنائية للحادث، غير أن سجلات كاميرات المراقبة أظهرت قيام أفراد الأسرة أنفسهم بشراء الحبال والأسلاك التي استخدموها لشنق أنفسهم، كما أفادت مفكرات يومية إلى طقوس دينية سبقت انتحارهم؛ ما لم يدع مجالا للشك: 11 فردا من أسرة واحدة، و3 أجيال مختلفة، مارسوا طقسا دينيا، وأقدموا على شنق أنفسهم في غرفة واحدة في مسكنهم.

حتى الآن، قد يبدو كل ما ذكرناه ضربا من الجنون، لا مبرر آخر لذلك، لكن هل الجنون حقا هو التفسير لكل هذه الحوادث، أم أن هناك أبعادا نفسية واجتماعية أخرى قد تدفع شخصا لتأسيس طائفة، وآخرين للانضمام إليها واتباعها بشكل أعمى إلى الحدّ الذي يُفضي بهم إلى إنهاء حياتهم؟

لماذا ينتحر الأفراد؟ ولماذا تنتحر الجماعات؟

“لا يعيش السمك على اليابسة

ولا الأزهار تعيش في الرمال

وهكذا نساء السولي

لا يعشن دون حرية

إذن، وداعا أيها الربيع

ووداعا يا وديان ويا جبال ويا تلال

وداعا أيها الربيع

ووداعا يا نساء السولي”

(رقصة زالونجو – أغنية شعبية من اليونان)

يرتبط الإقدام على الانتحار بشكل وثيق بالاضطرابات النفسية والعقلية المختلفة، فالاكتئاب والفصام واضطراب كرب ما بعد الصدمة وغيرها، من أكثر المؤشرات على ارتفاع احتمال أن يختار الفرد إنهاء حياته، وهذا يطرح سؤالا مهما هنا: هل تنتحر الجماعات للأسباب نفسها؟ إذا ألقينا نظرة سريعة على التاريخ القديم، تخبرنا المصادر أن الانتحار الجماعي ليس أمرا استحدثه إنسان العصر الحديث، حيث كان من الشائع أن تُفضل الشعوب والقبائل التي تُهزم في الحروب إنهاء حياتها على الاستسلام. أحد الأمثلة على ذلك هو انتحار نساء السولييت (السولي هي إحدى القرى الجبلية في اليونان) بعد خسارة رجالهن المعارك ضد الأتراك، إذ أدت النساء طقوسا جنائزية على أحد الجبال، قبل أن يقفزن عنه واحدة تلو الأخرى حتى آخر امرأة. كما نجد أمثلة مشابهة حول العالم، مثل انتحار مقاتلي نومانشيا في إسبانيا بعد حصار أعدائهم لهم الذي استمر حتى 16 شهرا، وتفضيل النساء التيوتونيات في روما إنهاء حياتهن على تسليمهن لأعدائهن، وطقوس الانتحار الجماعي التي تُعرف بالجوهر (وتعني الموت الاختياري)، والتي كانت شائعة في الهند لدى طوائف الراجبوت تحديدا عند اقتراب سقوط المدن، وغيرها العديد من حوادث الانتحار الجماعي[1].

جيم جونز.. ما الذي يقوله الناجون؟

جونز (ويكيبيديا)

خلال 25 عاما من البحوث والمقابلات التي أُجريت مع أعضاء سابقين في طائفة معبد الناس، وجدت الأبحاث تشابها في تقنيات وأساليب اتبعها جيم جونز مع أحداث وأساليب من رواية 1984 للكاتب جورج أورويل[2]، نستعرض بعضا منها هنا:

  • التجريم الذاتي (Self-incrimination):

من أجل التعرف إلى مخاوفهم واستغلالها ضدهم، أمر جونز أتباعه بتدوين جميع أخطائهم، ما يخافون منه وما لا يريدون من أحد معرفته، ثم أخذ يستخدمها ضدّهم في حالات العصيان وعدم اتباع الأوامر. لم تكن جميع تلك الاعترافات حقيقية، إذ إن بعضها كُتب من قِبَله وأجبرهم على التوقيع عليها لإظهار الولاء له.

  • التدريب على الانتحار:

كما تقول الشخصية الرئيسية في رواية أورويل: “الأفضل لك أن تقتل نفسك قبل أن يقبضوا عليك”، يُذكر أن طقوسا تسمى بالليلة البيضاء كانت تُمارس في المعبد، حيث يوقظ الأفراد في منتصف الليل بالأبواق، وتعقد اجتماعات ليلية مفاجئة يتم إعلامهم خلالها بأن الخطر يحدق بهم من كل حدب وصوب، وأن عليهم توقع الموت خلال اللحظات القادمة. في ليالٍ أخرى، يتم إيقاظهم وإخبارهم أنه لا حل آخر سوى الانتحار، وتُقدم لهم كؤوس الشراب التي تحتوي على السم المزعوم، يشرب الجميع، لكن لا شيء يحدث. ربما لم يكن يتوقع أفراد الطائفة أنهم سوف يموتون في تلك الليلة تحديدا.

  • تشويه الواقع وتحريفه:

رغم تجويعهم وإهلاكهم بالعمل طوال اليوم، كان جونز يُرغم أتباعه على تقديم الشكر له يوميا مقابل الطعام والمسكن الذي يوفره لهم، كما أنه كان يحيك خيوط المؤامرة ويلبسها لأتباعه كلّ بحسب مقاسه، فإذا كان تابعه من أصحاب البشرة السوداء أخبره أن هناك من يلاحقه ليقبض عليه ويرسله إلى معسكرات الاعتقال، أما إذا كان من أصحاب البشرة البيضاء فإن وكالة الاستخبارات الأميركية كانت تلاحقه.

  • المراقبة والتجسس:

أجبر أتباعه على مراقبة بعضهم بعضا وموافاته بأي أمر يحدث في المعبد، كما قام بدسّ الجواسيس الذين يختبرون الأعضاء عن طريق ادعائهم بأنهم يريدون الهرب من الطائفة، وفي حال وافقهم الأعضاء أو حتى التزموا الصمت ولم يُبدوا أي ردة فعل فإن مصيرهم كان العقاب الشديد. كما أبقى مكبرات الصوت تعمل خلال الليل والنهار، تبث رسائله ومواعظه، ليُشعرهم أنه موجود طوال الوقت.

جدير بالذكر أن إحدى الناجيات من طائفة بوابة السماء تحدّثت أيضا عن أساليب مشابهة، إذ لم يكن مسموحا لهم بالخروج من مسكنهم، ولم يسمح لهم بفتح النوافذ على الإطلاق، وكانت أساليب السيطرة والتحكم تمتد حتى إلى متى وكيف يمكنهم النوم. يكمن السؤال هنا: كيف يمكن تفسير هذه الأساليب في السياق النفسي؟

ساعدت هذه الأساليب جيم جونز على السيطرة على عقول أتباعه، فبعد انتقاله وأتباعه إلى بيئة جديدة بعيدا عن موطنهم وما يألفون، وهو ما ينطوي على حالة من اللايقين والتوتر المصاحب لعدم معرفة المستقبل والاحتمالات العديدة لما يمكن أن يحدث في مكان جديد، يُخبرنا علم النفس أن هذا نوع من أنواع اضطرابات التكيف (Adjustment disorders)، والتي يواجهها الفرد بالسعي المستمر نحو إيجاد ما يألفه ويعرفه. وهنالك أصبح المعبد بالضرورة ملجأهم الأول والأخير، الأمر الذي وضعهم في موقع أكثر ضعفا، ومكّنه من إحكام سيطرته عليهم بشكل أكبر. كما أنه لم يكتفِ بعزلهم عن العالم الخارجي، حيث إن أساليب التجسس التي استخدمها جعلتهم غير قادرين على الشعور بالثقة ببعضهم بعضا؛ ما أضعف أي احتمالات أو فرص لهم للانقلاب عليه أو مواجهته.

ما الذي يدفع الأفراد للانضمام إلى الطوائف؟

عند الحديث عن معبد الناس أو بوابة السماء أو غيرهما من الطوائف والجماعات التي يصاحب ذكرها شعورٌ بالغرابة تجاه معتقداتها ومبادئها، لا بد أن نتطرق إلى مفهوم الطائفة (Cult)، والذي يُجيب إلى حدّ ما عن أسئلتنا تجاهها: كيف تنشأ؟ وما الذي يدفع الآخرين للانضمام إليها؟ وما الذي تقدمه لهم في المقام الأول؟ إجابة عن ذلك، يستخدم “د. تود جراندي” في تعريفه 7 سمات أساسية تتشكل بناء عليها الطائفة[3]:

هيكل قائم على السلطة والتلاعب. استخدام واضح وصريح لتقنيات التحكم بالعقول.غالبا ما تستهدف الطبقة الوسطى من الأفراد. تتمحور أهدافها حول السياقات الجماعية: المساواة المجتمعية وحقوق الأقليات في حالة جونز تاون. تستخدم أساليب عنيفة لإقناع الآخرين بالانضمام.تتبنى نظاما دكتاتوريا مع أعضائها. تقدم نظاما جديدا إلى حدّ ما من المبادئ والقيم لأفرادها.

تُخبرنا الدراسات أن انضمام الأفراد إلى الطوائف يُقدم لهم ما قد يكون مفقودا في حياتهم الشخصية، مثل الحاجة إلى الشعور بالانتماء التي قد تُحفزها الوحدة أو غياب المعنى من حياة الفرد، وهنا مثلا يُخبرنا عضو بوابة السماء السابق -والذي اتصل لإرشاد الشرطة إلى موقع الحادثة- أنه احتاج إلى بحثه عن إجابات وهدف لحياته، وهو ما وعدته عضوية الطائفة بتقديمه إليه[3].

كاريزما القائد.. جيم جونز مثالا

لاحظنا عند استعراض حوادث الانتحار الجماعي أن الجماعات تتشكل وتعمل بأمر من شخص ما، جيم جونز، مارشال أبلويات، وغيرهما من مؤسسي الطوائف وقادتها. ما الذي ميّز شخصياتهم عن غيرهم ودفع المئات إلى اتباعهم حتى الموت؟

كان سيغموند فرويد من أوائل من وصفوا الأهمية النفسية لوجود قائد مُبجل من قبل أتباعه، وذلك من خلال أبحاثه حول سيكولوجية الجماعات، إذ أشار إلى وجود رابط بين الكاريزما والحركات الجماعية (Mass movements)، وبناء عليه يقترح أن وجود رمز لقائد ما يعرفه ويتبعه مَن حوله يُعطي الجماعات إحساسا بوجود هدف مشترك يوحدهم. ويشير فرويد أيضا إلى أن تلك الرابطة بين القائد والجماعة تُمثل في جانبها النفسي التنويم المغناطيسي، بمعنى أن الجماعات تتعرض للتخدير أو التنويم الجماعي من قبل القائد، وبذلك يُصبح التحكم بها مُمكنا، إذ تتبع الجماعات الأوامر بشكل أعمى[5][4]. توضح الأبحاث اللاحقة أيضا أن أهم سلاح يتمتع به قائد الطائفة هو السحر أو الجاذبية التي يؤثر بها على أتباعه إلى حدّ اللامنطق. في حادثة معبد الناس مثلا، تخبرنا سيرة جيم جونز أنه كان يستخدم مواد مخدرة على أعضاء الطائفة دون أن يجرؤ أحدهم على رفضها[6]. كما تتحدث إحدى الناجيات عن ديناميكية تعامله مع أعضاء الطائفة التي اتسمت بالاستبدادية التامة، إذ يعدّ أي تساؤل حول أوامره خيانة، ومن يجرؤ على الاعتراض على أي أمر فهو خائن بطبيعة الحال. لكن هل يعني هذا أن كل مجموعة يقودها فرد ذو شخصية متميزة هي طائفة؟ بالطبع لا، نُخبرك تاليا كيف تُميّز بين الأمرين[7]:

اضطراب الشخصية النرجسية والطوائف.. خدمات متبادلة

لا يمكن القول إن هناك إجماعا علميا على تشخيص واضح ومحدد لشخصية جيم جونز، بل نجد دراسات متفرقة حللت جوانب عديدة من حياته، ابتداء بطفولته ومرحلة شبابه، حتى مرحلة جونز تاون التي انتهت بانتحاره مع الطائفة بأكملها. في هذا السياق، يتحدث د. جراندي عن أن نقطة الانطلاق المثلى عند الحديث عن قادة الطوائف هي النرجسية، إذ يمكن بسهولة مطابقة تصرفاته مع معظم سمات وأعراض اضطراب الشخصية النرجسية. على سبيل المثال، يتمظهر شعوره بالعظمة من خلال تسميته للمعبد والطائفة تيمنا باسمه، كما تظهر حاجته إلى الشعور بالتقدير ممن حوله بشكل واضح من خلال إجبار أتباعه على تقديم الشكر له بشكل يومي كما ذكرنا سابقا، بالإضافة للتلاعب بالآخرين عن طريق إيهامهم بأنهم مستهدَفون وأنه الملاذ والسبيل الوحيد لنجاتهم، والشعور بالاستحقاقية في تصرفاته مع من حوله. في حين أن هناك سمات أخرى تتلاءم مع اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، كالسلوك الإجرامي المتكرر الذي بدأ في الطفولة من خلال اعتدائه على الحيوانات وقتلها، والخداع المستمر لمن حوله، وعدم الشعور أو إظهار الندم تجاه أخطائه أو تحمُّله المسؤولية[3]. من جانب آخر، درس أحد الأبحاث الجانب النفسي لبناء الطوائف، واقترح أن هناك نوعا من التوافق النفسي-الاجتماعي بين احتياجات الشخصية النرجسية وما تقدمه الطوائف لأعضائها[5]، وقدمته كما يلي:

________________________________________

المصادر:

  1. صادق عبد علي الركابي, الانتحار الجماعي: أكبر عمليات الانتحار الجماعي في التاريخ, 1st ed. 2014.
  2. Lessons from Jonestown.
  3. (47) Jim Jones (Jonestown Massacre) | Mental Health & Personality – YouTube.
  4. The Group Psychology of Mass Madness: Jonestown, (1983)
  5. Cult Groups and the Narcissistic Personality: The Offer to Heal Defects in the Self,” (2015)
  6. I Have to Be All Things to All People’: Jim Jones, Nurture Failure, and Apocalypticism, (2019)
  7. Warning Signs.

المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply