بعد عامين صاخبين واجهت خلالهما جوائز الغولدن غلوب مقاطعة قاسية من نجوم هوليوود ومنصات البث الرئيسة، وبعد اتهامات بالعنصرية والتمييز على أساس الجنس، والفساد المالي والرشوة، عاد حفل هوليوود السنوي من جديد الأسبوع الماضي، مع وعود بالتغيير، عاد الفنانون لتألقهم المعتاد على السجادة الحمراء، وعاد البث إلى الشاشات، وفي دورتها الثمانين حاولت “رابطة هوليوود للصحافة الأجنبية (Hollywood Foreign Press Association)”، المسؤولة عن جوائز الغولدن غلوب، أن تقدم خطوات جادة في سبيل محو الماضي المشين، ومصالحة كلٍّ من الجماهير والعاملين في المجال الفني الهوليوودي، فهل نجحت في ذلك؟

 

بداية الأزمة

ربما لا يخفى على أحد ما تواجهه صناعة السينما والترفيه في العالم أجمع وفي هوليوود بوجه خاص من مشكلات مسكوت عنها في أغلب الأحيان تتعلق بالتمييز العرقي والجنسي والطبقية والفساد المالي والأخلاقي، ورغم ظهور العديد من هذه المشكلات على السطح في السنوات الأخيرة فإن اتخاذ خطوات حقيقية للتغيير والمساءلة المُرضية كان أمرا نادرا.

 

في المقابل، ظل الصمت والتواطؤ الضمني هما المسارين السائدين حتى فجَّرت صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” الأزمة الكبرى من خلال تحقيقها الجريء، والذي نُشِر في الحادي والعشرين من فبراير/شباط عام 2021، والذي كشفت فيه عن عدم وجود أعضاء سود البشرة بين أعضاء الرابطة التي تتكون من 87 عضوا من الصحفيين المسؤولين عن تحديد الترشيحات والفائزين بجائزة غولدن غلوب في كل عام.

 

جاء ذلك التقرير بعد فترة وجيزة من تعرض الجوائز لانتقادات واسعة، وذلك بعد أن خلت قوائم ترشيحات 2021 من العديد من الأعمال المُقدَّمة من قِبَل فنانين سود البشرة مثل “فيلم سبايك لي (Da 5 Bloods)”، وكذلك مسلسل “I May Destroy You”، وكلاهما نال في وقتها استحسانا نقديا كبيرا. بعد ذلك بأيام، أكدت الرابطة في بيان لها إدراكها للأزمة، والتزامها بالعمل على إيجاد خطة عمل لحل الأزمة في أقرب وقت.

فيلم سبايك لي (Da 5 Bloods) (مواقع التواصل)

وبالفعل في مارس/آذار 2021 خطت الرابطة بعض الخطوات في هذا الطريق، فأعلنت عن تعيين مستشار للتنوع الإستراتيجي، وتعهدت ألا يقل عدد الأعضاء سود البشرة عن نسبة 13% من إجمالي الأعضاء. لكن الأمور سارت على عكس المتوقع، فقد تفجرت فضيحة جديدة في أبريل/نيسان، بطلها هذه المرة هو فيليب بيرك (الرئيس السابق للرابطة)، والذي كان عضوا فيها على مدار نحو 44 عاما، حيث كُشف عن بريد إلكتروني أرسله فيليب بيرك يصف فيه حركة “حياة السود مهمة (Black lives matter)” بأنها حركة كراهية عنصرية، لم يمر هذا الموقف مرور الكرام، وسرعان ما فُصِل بيرك من الرابطة، جدير بالذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي يظهر فيها اسم بيرك في فضائح أخلاقية، حيث سبق أن اتهمه الممثل بريندان فريزر بالتحرش، وهو الاتهام الذي أنكره.

فيليب بيرك (الرئيس السابق لرابطة هوليوود للصحافة الأجنبية)
فيليب بيرك (الرئيس السابق لرابطة هوليوود للصحافة الأجنبية) (شترستوك)

في مايو/أيار من العام نفسه كشفت الرابطة عن خطتها لإصلاح الأمور، شملت هذه الإصلاحات اقتراحا بقبول 20 عضوا جديدا، مع التركيز على الأعضاء السود، وزيادة العضوية بنسبة 50% على مدار 18 شهرا، كما أعلنت عن وضع قيود على قبول الأعضاء للهدايا، بعد تورط بعض أعضاء الرابطة في فضائح تتعلق بتلقيهم هدايا مادية، وقبولهم دعوات للسفر للخارج والإقامة في فنادق فاخرة، وهو ما ألقى بظلال الشبهات حول بعض ترشيحاتهم السابقة، لعل أشهرها مسلسل “إيميلي في باريس”.

 

لكن الأصوات الغاضبة من هوليوود استمرت في التصاعد، وأبرزها من الممثلة سكارليت جوهانسون، التي وصفت ملاحظات وأسئلة أعضاء الرابطة بأنها تقارب التحرش الجنسي، كما اتخذ توم كروز موقفا حادا بإعادة جوائز غولدن غلوب الثلاث التي سبق أن تلقاها عن أدواره في أفلام “Born on the 4th of July” و”Jerry Maguire” و”Magnolia”.

في السياق الغاضب ذاته، أعلنت شبكة “إن بي سي (NBC)” المرموقة امتناعها عن بث حفل لعام 2022، كما أعلنت كبرى شبكات البث مثل “نتفليكس” و”أمازون أستوديوز” و”وورنر ميديا” عن مقاطعة الحفل، وهكذا جاء حفل يناير/كانون الثاني 2022 خافتا، لتُعلَن أسماء الفائزين في حضور محدود، دون أن يُبَث الحفل على الشاشات(1).

 

هل تعود المياه إلى مجاريها؟

هذا العام وفي الدورة الثمانين من الجائزة العريقة التي يعود تاريخها إلى عام 1944 عاد البث على قناة إن بي سي، بعد أن بادرت رابطة الصحفيين الأجانب بتنفيذ وعودها، مع زيادة عدد الأعضاء وتنوعهم ليصبح 10% من بين الأعضاء المصوتين من سود البشرة، و19% من اللاتينيين، و12% من الآسيويين، و10% من أصول شرق أوسطية.

 

وافتتح مقدم الحفل جيرود كارمايكل الليلة بإشارة صريحة وواضحة إلى الجدل المثار، حيث قال: “السبب الوحيد لكوني هنا اليوم هو أني أسود البشرة”، مشيرا إلى الخطوات الفعالة التي اتخذتها الرابطة لتصحيح أخطاء الماضي، وقال إنه يعتبر نفسه “الوجه الأسود لمنظمة بيضاء مُحاصَرة”.

نجحت افتتاحية كارمايكل في إذابة الجليد واقتناص بعض الضحكات من الحضور، وهو ما فعله مرة أخرى عندما ظهر في منتصف العرض يحمل ثلاث جوائز غولدن غلوب ممازحا الجمهور بأنه وجد الجوائز الثلاث التي أعادها توم كروز.

 

لطالما حملت جوائز الغولدن غلوب قيمة كبيرة باعتبارها واحدة من أهم الجوائز الفنية في هوليوود، حيث يُفتَتح بها موسم الجوائز السنوي في بداية كل عام، ويُنظَر لها دائما على أنها تحمل قيمة تسويقية كبيرة للأعمال الفنية المرشحة والفائزة، حيث ترتفع نسب احتمالات فوزها بجوائز تالية وعلى رأسها الأوسكار. ولكن اليوم لا تزال آراء النقاد متضاربة حول قدرة الجائزة على استعادة قيمتها وتأثيرها، فبينما يبدي البعض تفاؤلا حذرا بكل هذه الخطوات الجادة لتحسين الأحوال، يعتقد البعض الآخر أنها مجرد خطوات شكلية لم تصل إلى جذور المشكلة(2).

 

تقع خطوة توسيع هيئة التصويت، وازدياد عدد الأعضاء ليصل إلى نحو 200، منهم 103 أعضاء من غير الدائمين في قلب هذا الجدل الدائر حول الجائزة، وهو ما يطرح تساؤلات حول جدية تعامل صناع السينما مع ترشيحاتهم، وهل لا تزال تمتلك نفس القدرة التأثيرية. كما يشير البعض إلى إغفال ترشيح فيلمَي “Women Talking” و”The Woman King” رغم إشادة النقاد بهما، وهو ما يعيد إلى الأذهان التساؤل الذي أثير من قبل عند رفض ترشيح فيلم “Little Women” حول التحيز القائم على أساس الجنس، حيث خلت قائمة المرشحين لجائزة أفضل إخراج من المخرجات النساء، وهو أمر أثير عدة مرات، فعلى مدار تاريخ الجائزة رُشِّحت لجائزة الإخراج 11 مخرجة فقط، لم تفُز منهن سوى 3 بالجائزة(3).

 

نظرة على الجوائز

الآن لنأخذ نظرة سريعة على الجوائز التي جاء بعضها متوقعا والبعض الآخر فاجأ الجميع، وبدا واضحا في بعضها أنها نتاج محاولات جادة للتغلب على المشكلات السابقة.

 

حصد فيلم “The Fabelmans” جائزة أفضل فيلم دراما، وكذلك جائزة أفضل إخراج للمخرج الكبير ستيفن سبيلبيرج، وذلك من ضمن 5 جوائز غولدن غلوب ترشح لها، ليصبح إجمالي الجوائز التي حصل عليها حتى الآن 20 جائزة، وأكثر من 190 ترشيحا؛ ما يجعله من أكثر الأفلام المرشحة لحصد الأوسكار هذا العام. هذا الفيلم قال عنه سبيلبيرج إنه حلم بتنفيذه منذ عمر السابعة عشرة، وهو يحاكي السيرة الذاتية لشخصه، عن طريق حكاية عائلة يهودية يتعلق فيها الابن بالسينما ويحلم بالعمل بها. فيلم آخر تصدَّر قوائم الجوائز هو “The Banshees of Inisherin”، والذي فاز بجائزة أفضل فيلم كوميدي موسيقي، وأفضل ممثل بفيلم كوميدي للنجم كولين فاريل، وكذلك أفضل سيناريو.

 

مقارنة بقوائم السنوات السابقة، جاءت قائمة هذا العام للترشيحات والجوائز أكثر تنوعا عرقيا، حيث شهدت تمثيلا آسيويا لافتا تجلَّى في تصدُّر فيلم “Everything Everywhere All at Once” قوائم الترشيحات بثمانية ترشيحات، من بينها أفضل إخراج وأفضل سيناريو، وفازت بطلته “ميشيل يوه” بجائزة أفضل ممثلة لتصبح أول ممثلة ماليزية تنال هذه الجائزة، والخامسة فقط من أصل آسيوي على مدار مسيرة الجائزة.

Michelle Yeoh poses with her award for Best Actress in a Musical or Comedy Motion Picture for "Everything Everywhere All at Once" at the 80th Annual Golden Globe Awards in Beverly Hills, California, U.S., January 10, 2023. REUTERS/Mario Anzuoni
فازت “ميشيل يوه” بطلة فيلم “Everything Everywhere All at Once” بجائزة أفضل ممثلة لتصبح أول ممثلة ماليزية تنال هذه الجائزة. (رويترز)

وكذلك فاز عن نفس الفيلم “كي هيو كوان” بجائزة أفضل ممثل مساعد، ليصبح أول ممثل فيتنامي يفوز بتلك الجائزة، وقد سلطا في كلمتيهما الضوء على جانب من المعاناة المسكوت عنها، والتي أبقتهما خارج السباق لسنوات، حيث أشارت “يوه” لمعاملتها في هوليوود باعتبارها تنتمي إلى أقلية مهمشة، والعقبات التي واجهتها واستبعادها من العديد من الأدوار.

 

ظهر التأكيد على التنوع العرقي للفائزين أيضا في فوز مسلسل “Abbott Elementary” بثلاث جوائز، هي: جائزة أفضل مسلسل كوميدي أو موسيقي، وفوز بطلته “كوينتا برونسون” بجائزة أفضل ممثلة في مسلسل كوميدي أو موسيقي، وكذلك حصول “تايلر جيمس” على جائزة أفضل ممثل مساعد. وكذلك فازت الممثلة زيندايا بجائزة أفضل ممثلة في فئة الدراما التلفزيونية عن دورها في مسلسل “Euphoria”.

 

وعلى رأس مفاجآت الجوائز جاءت جائزة أفضل فيلم ناطق بغير الإنجليزية، والتي فاز بها الفيلم الأرجنتيني “Argentina 1985″، وذلك في مخالفة للتوقعات التي رجحت بقوة كفة الفيلم الألماني “All Quiet on the Western Front”، والمأخوذ عن رواية شهيرة حملت الاسم نفسه، وقد شهدت هذه الفئة تحديدا منافسة قوية بحضور الفيلم الكوري “Decision to Leave”، والفيلم البلجيكي “Close”، والفيلم الهندي “RRR” وجميعها نالت استحسانا نقديا عالميا.

Santiago Mitre poses with his award for Best Non-English Language Film award for "Argentina, 1985" at the 80th Annual Golden Globe Awards in Beverly Hills, California, U.S., January 10, 2023. REUTERS/Mario Anzuoni
سانتياغو ميتري يفوز بجائزة أفضل فيلم بلغة غير إنجليزية عن فيلم “الأرجنتين، 1985” في حفل توزيع جوائز غولدن غلوب السنوي الثمانين. (رويترز)

كما تفاجأ الحضور بفوز أغنية “Naatu Naatu” الهندية في فئة أفضل أغنية أصلية، الأغنية من موسيقى “إم. إم. كيرافاني” وكلمات: “كالا بهايرافا” و”راهول سيبليجونج”، وهو الفوز الأول من نوعه لبوليوود، ليصبح ذلك الفوز البوليوودي انتصارا آخر للتنوع، خاصة في وجود أسماء أخرى كبيرة ولامعة مرشحة مثل تايلور سويفت، وليدي جاجا، وريهانا.

 

جاء كذلك فوز أوستن باتلر بجائزة أفضل ممثل عن دوره في “Elvis” مفاجئا، إذ مالت كفة التوقعات تجاه منافسه بريندان فريزر عن فيلمه “The Whale”، لكن ربما يكون قرار الفوز النهائي متأثرا بقراره بالاستمرار في مقاطعة الرابطة بعد اتهامه السابق ذِكره لفيليب كيرك بالتحرش الجنسي، بينما فازت كيت بلانشيت بجائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم “Tar”، لكنها هي الأخرى لم تحضر الحفل(4)(5).

 

السياسة حاضرة أيضا

وجدت السياسة أيضا مكانا لها في هذا الحفل، حيث قدَّم النجم شون بين مقطعا مسجلا للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، واستهل شون بين ظهوره بخطاب أشار فيه إلى العديد من الأحداث السياسية المعاصرة قائلا: “في عالم ينتفض فيه الشباب الإيراني، إلى الحركة النسائية النشطة في أفغانستان، حرية الحلم ليست رفاهية إنسانية بقدر كونها حاجة إنسانية تستحق التضحية من أجلها”.

وقد أكد زيلينسكي في خطابه ثقته في انتصار بلاده في الحرب ضد روسيا، كما أكد أنه لن تكون هناك حرب عالمية ثالثة؛ لأن أوكرانيا سوف توقف العدوان الروسي على أرضها، مستعيدا تاريخ بدايات الجائزة في عام 1944، ومشيرا إلى أن الحرب العالمية لم تكن قد انتهت بعد عندما بدأت جوائز الغولدن غلوب، وأضاف: “شكرا لكل الأصوات الحرة التي تقف في صف الحق، وتساند قضيتنا حتى لو بالكلمة أو بالفن”.

 

وسط كل هذه الشكوك لم ينجح بث الحفل سوى في جذب حوالي 6.3 ملايين مشاهدة فقط مساء الثلاثاء، بتراجع كبير عن العدد المسجل في نسخة 2020 والذي بلغ 18 مليون مشاهدة، وذلك قبل بدء جائحة كورونا وما تلاها من جدل أثير في عام 2021، وإن أشار ناطق باسم شبكة “إن بي سي” أن عدد المشاهدات ربما يكون قد تأثر سلبيا بتغيير موعد عرض الحفل الذي عادة ما بُث في مساء الأحد، وتم تغيير موعده إلى الثلاثاء هذا العام؛ كي لا يتقاطع مع موعد بث مباريات بطولة كرة القدم الأميركية.

 

لكن على أي حال، هذه الأرقام ما زالت قادرة على أن تعزز الشكوك حول مدى تأثير الجوائز بعد عودتها، فهل تكفي كل هذه الوعود والتغييرات لمحو آثار الماضي؟ هذا ما ستكشف عنه الفترة المقبلة.

————————————————————————————-

المصادر:

  1.  A Timeline of the Golden Globes Controversy
  2. Is the Golden Globes Comeback Real?
  3. Golden Globes Unravel Recent Progress With Female Directors Shut Out
  4.  The Biggest Snubs And Surprises From The 2023 Golden Globe 
  5.  Golden Globes 2023 Reminded Us We’re Still Looking to Broken Institutions for Validation


المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply