إسلام آباد- انزلقت باكستان مجددا لأزمة سياسية واسعة، بعد قرار البرلمان الباكستاني رفض مقترح حجب الثقة الذي قدمته المعارضة الباكستانية بهدف إسقاط حكومة عمران خان. وقد اختلفت ردود الأفعال المحلية حول دستورية ما قام به عمران خان بحل البرلمان والحكومة، إذ يرى معارضون أن ما قام به رئيس الوزراء عبث بدستور دولة باكستان.

ولا تزال الصورة في باكستان ضبابية حتى الآن، في انتظار أن تحكم المحكمة العليا في قرار البرلمان وقرار الرئيس عارف علوي بحل البرلمان والحكومة. وتقول مصادر إن حكم المحكمة يمكن أن يستغرق عدة أيام -وربما أكثر- للحكم في هذه القضية، في الوقت الذي يأمل فيه قادة المعارضة أن تحكم المحكمة بعدم دستورية ما صدر من البرلمان أول أمس الأحد.

وقد دخلت البلاد الأسابيع القليلة الماضية في صراع الأحزاب السياسية، التي دخلت في دوامة من التحالفات والولاءات المختلفة، ففي الوقت الذي سعت فيه المعارضة لكسب أكبر عدد من الأصوات البرلمانية لحجب الثقة عن عمران خان، كان رئيس الحكومة يكافح من أجل الحفاظ على ائتلافه الحاكم الذي أصبح مهددا بالانهيار، وكذلك الحفاظ على حزبه الذي ظهرت عليه الخلافات والانشقاقات.

هذا الوضع يعيد إلى الأذهان عقودا من الأزمات السياسية التي مرت بها باكستان، والتي أصبحت وجها مألوفا لها منذ عودة الحياة الديمقراطية عام 1988 بعد مقتل الجنرال ضياء الحق، فلم تتمكن أي حكومة مدنية من البقاء في الحكم المدة القانونية لها، وهي 5 سنوات؛ فنواز شريف زعيم حزب الرابطة الإسلامية (جناح نواز) لم يكمل أي فترة قانونية له في المرات الثلاث التي تولى خلالها رئاسة الوزراء، وكذلك بينظير بوتو، التي لم تكمل أي فترة من الفترتين اللتين كانت فيهما رئيسة للوزراء.

ما الذي يجعل باكستان دولة لا تستقر فيها حكومة؟

إن الناظر إلى تاريخ باكستان يرى أنها كانت -وما زالت – عرضة للتوترات السياسية بشتى أشكالها، وهذه التوترات انعكست على علاقات باكستان الخارجية مع حلفائها، بشكل خاص السعودية والولايات المتحدة، ومؤخرا مع الصين.

والتوترات السياسية في باكستان تتمثل في الصراعات المستمرة بين الأحزاب السياسية، وتوتر علاقات تلك الأحزاب مع الدولة العميقة المتمثلة في الجيش والمخابرات.

يقول الصحفي والمحلل السياسي شوكت براتشا -للجزيرة نت – إن الأسباب التي تتعلق بحكومة عمران خان هي عدم تحقيق الوعود التي وعد بها، فضلا عن الخلافات السياسية الداخلية بين الأحزاب في البلاد، بالإضافة إلى عدم تقبل دائرة القوة في البلاد (الجيش) أي حزب وسياساته الخاصة.

في حين يرى آخرون أن السبب يرجع للقانون والدستور الذي كان يحكم البلاد في فترات سابقة؛ وفي هذا السياق يقول الخبير في الشؤون السياسية والسياسات الخارجية محمد مهدي، إنه في عهد بينظير بوتو لم يكن هناك نظام برلماني كامل، بل كان نظاما يتمتع فيه الرئيس بسلطة عزل الحكومة، وكانت حكومة نواز شريف الأولى تحت النظام نفسه. وانتهت هذه الحكومات الثلاث بسبب صراع على السلطة بين البرلمان والرئاسة.

ويقول مهدي -للجزيرة نت- “بصرف النظر عن الصراع مع المعارضة، ترجع الأزمة إلى حقيقة أن حزب إنصاف الحاكم يعيش خلافات داخلية حادة، لأن المرشحين الذين تم تضمينهم في الحزب بالقوة قبل انتخابات 2018 يدركون أنه من غير الممكن الفوز في الانتخابات القادمة عبر الحزب نفسه”.

بينما يرى المحلل السياسي فضل بانغَش -في حديثه للجزيرة نت- أن باكستان منذ استقلالها كانت تتأرجح بين الحكومات المدنية والعسكرية في أوقات مختلفة عبر تاريخها السياسي، ويرجع ذلك أساسا إلى عدم الاستقرار السياسي، والصراعات المدنية العسكرية، والفساد السياسي، والانقلابات الدورية التي قامت بها المؤسسة العسكرية ضد النظام الجمهوري.

الجيش يعتبر نفسه مسؤولا عن حماية البلاد وهذا يفسر تدخله المستمر في الحياة السياسية (رويترز)

ما تأثير العوامل الخارجية؟

وفقا لبانغَش، فإن الحكومات لم تكمل مدتها الدستورية بسبب عدم تمكن أي حزب من نيل الأغلبية الكافية التي تمكنه من تشكيل حكومة برلمانية مستقرة، وبالتالي يمكنها إصدار القوانين بشكل مريح.

في حين يرى كل من المحلل السياسي والإستراتيجي عبد الكريم شاه والصحفي والمحلل السياسي جاويد رانا- اللذان تحدثا للجزيرة نت- أن السياسات الخارجية لها تأثيرات كبيرة على التوترات السياسية الداخلية؛ فوفقا لعبد الكريم شاه بعض الأحزاب -على مدى عقود- لديها ولاءات لدول أجنبية، وهذا يؤثر على السياسة الداخلية ويتسبب في صراع بين الأحزاب.

ومن جانبه، يرى جاويد رانا أن الأحداث الأخيرة والسياسات التي يريد أن ينتهجها عمران خان تشكل تحديا للولايات المتحدة والغرب، وهذا ما صعّد من الأزمة خلال الفترة الماضية. ويعتقد رانا أن الولايات المتحدة زادت من الشرخ بين المعارضة والحكومة عن طريق التحذير من أن باكستان سوف تواجه العواقب في حال لم يتم حجب الثقة عن عمران خان.

ما الدور الذي يلعبه الجيش والدولة العميقة في الحياة السياسية الباكستانية؟

لطالما كانت سياسات الجيش في الحياة السياسية في باكستان مثيرة للجدل، ومن المعروف أن باكستان شهدت عددا من الانقلابات منذ استقلالها عام 1947. وهذا ما يجعل الجيش قوة أساسية في البلاد، بالرغم من وجود نظام ديمقراطي وبرلمان ينتخبه الشعب وتتشكل من خلاله الحكومة.

يقول عبد الكريم شاه إن الجيش يرى نفسه مسؤولا عن حماية البلاد على المستوى الداخلي، ويرى أنه تجب استشارته في كل صغيرة وكبيرة، خاصة على مستوى العلاقات الخارجية، التي يلعب الجيش دورا أساسيا وواضحا فيها.

وبضيف شاه أن الجيش دأب على التدخل في الانتخابات والعملية الديمقراطية في البلاد، وأي انتخابات تجري في البلاد يكون الجيش والمؤسسة الأمنية على اطلاع عليها بشكل مباشر مع ضمان نتائجها إلى حد كبير، بحيث تكون الحكومة القادمة صديقة له.

هذا يعني أن الجيش يحدد الحكومة التي يريدها عن طريق دعم حزب معين في الانتخابات، كما حدث مع عمران خان، وقبل ذلك نواز شريف. وفي حال وقع خلاف معه، فإما يتم إسقاط هذه الحكومة أو التخلي عنها؛ وفي هذا السياق، يقول محمد مهدي، لطالما أراد بعض جنرالات الجيش إقالة رئيس الوزراء إذا اختلف معهم، لكن الدستور لا يسمح بذلك؛ لهذا السبب، قام الجيش بإسقاط الحكومتين السابقتين ليوسف رضا جيلاني ونواز شريف عن طريق حكم المحكمة.

ويلفت مهدي إلى أنه “دستوريا، لا دور للجيش في الشؤون السياسية للبلاد، ولكن بما أن عددا قليلا من الجنرالات قد دعموا فوز حزب إنصاف في الانتخابات، فمن مسؤولية المؤسسة العسكرية والأمنية إنقاذ الأمة من الوضع الحالي”.

ويضيف مهدي بحسب المعلومات حتى الآن، فإن الجيش يراقب الوضع عن كثب فقط، ولكن إذا استمرت حالة التوتر الحالية، فهناك احتمال كبير لتدخلهم بشكل علني أو خلف الكواليس.

أحد الطرق التي يتدخل بها الجيش في الحياة السياسية -حسب قول فضل بانغَش- تتمثل في سعي الجيش إلى أن تكون الحكومة ضعيفة، بحيث تحتاج إلى أحزاب أخرى لإكمال النصاب المطلوب، ودائما هذه الأحزاب الصغيرة تكون متحالفة مع الجيش، فتتعرض الحكومة للابتزاز من تلك الأحزاب.

ويضيف بانغَش أن في كل حكومة هناك 70-80 شخصا مستقلا أو أحزابا صغيرة يديرها الجيش، ودائما تتقلب بين الحكومة والمعارضة، وهذا يضمن بقاء تحكم الجيش في البرلمان.

وبربط هذا الموضوع المتعلق بالجيش ودوره مع قرار المحكمة العليا المنتظر، يقول جاويد رانا، في الحقيقة هناك تخوف من تدخل عسكري يمكن أن يؤثر على قرار المحكمة العليا، لذلك سوف يكون على المحكمة أن تتخذ قرارا يؤدي إلى تهدئة الأوضاع.

المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply