القاهرة ـ مع اشتعال مواقع التواصل الاجتماعي بالجدل حول ما يطرحه إعلاميون وغيرهم كل حين من قضايا مثيرة للجدل، استدعى مغردون المقولة المأثورة “أميتوا الباطل بالسكوت عنه”، في حين دافع آخرون عن ضرورة التصدي لكل القضايا الجدلية خاصة المتعلقة بثوابت الدين الإسلامي بعض النظر عن دوافع إثارتها.

وقال نشطاء إن تزايد الانتقادات على مواقع التواصل مؤخرا لبعض الإعلاميين المثيرين للجدل من شأنه أن يحقق أهدافهم الرامية أساسا إلى جذب الاهتمام والتفاعل، والبقاء في بؤرة الضوء بعد أن تراجعت نسبة عدد المشاهدات والاهتمام بما يقدمونه على مواقع التواصل خاصة “يوتيوب” (YouTube).

وعاد الإعلامي القريب من السلطة إبراهيم عيسى ليتصدر الجدل على منصات التواصل الاجتماعي بمصر مؤخرا حينما استبق دخول شهر رمضان المبارك بالحديث عن عدم ضرورة صلاة التراويح في جماعة لأنها “تقليد تنظيمي للخليفة في عهد عمر بن الخطاب”، كما انتقد ارتفاع مكبرات الصوت بالقرآن من المساجد خلال التراويح.

وفي أول أيام رمضان، أثار عيسى الجدل مجددا بالحديث عن ضرورة احترام تقديس بعض الشعوب للبقر، مضيفا “عيون البقر حزينة ولازم تكون حزينة.. لديها صلابة وليونة وأنوثة”.

وخلال برنامجه الإذاعي، قال عيسى إنه يحزن عندما يسخر البعض من تقديس الهنود للبقرة، متابعا أن الحضارة المصرية القدمية كانت تمنحها طبيعة خاصة، ومشيرا في هذا الصدد إلى تقديس الفراعنة للعجل أبيس.

حديث عيسى بشأن صلاة التراويح وتقديس البقر، أثار غضب وسخرية العديد من رواد مواقع التواصل، في حين طالب آخرون بعدم مشاركة تصريحات عيسى لأنه يهدف إلى الشهرة والحضور الدائم، بحسب وصفهم.

وفي فبراير/شباط الماضي نجح عيسى في احتلال صدارة منصات التواصل بمصر لعدة أيام متتابعة، بعد حديثه عن قضيتين مثيرتين للجدل، وهما التشكيك في معراج النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والحديث عن لبس نساء الصعيد للمايوهات في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.

وبلغ الاعتراض على ما أثاره عيسى حد قيام برلماني وإعلامي مؤيد ومقرب للسلطة هو مصطفى بكري بالدعوة لاتخاذ إجراء ضده، لأنه “مثير للفتن” على حد قوله، كما هاجمه علاء مبارك نجل الرئيس الراحل حسني مبارك، وأصدرت المؤسسات الدينية الرسمية بيانات للتأكيد على صحة المعراج، في حين قررت النيابة العامة وهيئة تنظيم الإعلام التحقيق في الأمر، دون أن تتضح نتائج هذه التحقيقات.

أي دور لمواقع التواصل الاجتماعي؟

ويبرز هنا التساؤل حول دور وسائل التواصل الاجتماعي في إذكاء القضايا المثيرة، ومنح راغبي الاستعراض والإثارة الفرصةَ في تحقيق أغراضهم، لتتحول وسائل التواصل بذلك إلى ساحة يستثمرها راغبو الإثارة أو تستغلها السلطة في الإلهاء، حينما تطل الأزمات المعيشية برأسها، ويكون مطلوبا إشغال الأذهان بقضايا أخرى.

ويربط مراقبون بين إطلالة إعلاميين بقضايا قديمة أو جديدة بهدف الإلهاء، وبين ارتفاع منسوب غضب المصريين من قرارات حكومية، أو بروز قضايا أكثر أهمية وخطرا على مستقبل البلاد مثل تصريحات حكومية بشأن زيادة أسعار الخبز، بالإضافة إلى إعلان أديس أبابا الاستعداد لتوليد الكهرباء من سد النهضة والذي تعتبره القاهرة أكثر أزماتها خطورة على أمنها القومي ومستقبلها المائي.

في هذا السياق، يؤكد الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للصحافة قطب العربي أنه يجب عند التعاطي مع القضايا التي تتصدر وسائل التواصل التفريق بين عموم مستخدمي التواصل الاجتماعي وبين المتخصصين.

وفي حديثه للجزيرة نت، لفت العربي إلى أن مصر تحتاج لصناعة وعي لدى المستخدمين العاديين، ليدركوا أنهم سيكونون أدوات لترويج أو المساعدة في صرف أنظار الناس إلى قضايا وهمية، وإثارة التفاعل معها، بدلا من الاهتمام بقضاياهم الأكثر خطورة.

وتابع بالقول إنه من الضروري أن يدرك المستخدمون -وكثير منهم من أصحاب الوعي والفهم- أن مثل هذه القضايا مثارة بهدف صرف نظر الرأي العام عن قضايا حقيقية وخطيرة إلى قضايا هامشية أو جدلية أو تصدر التوجه وصناعة أمجاد ومكاسب شخصية، مؤكدا أن الأفضل تجاهل هذه “الإثارات” وعدم المشاركة في صناعة هذا التوجه.

أما المتخصصون فعليهم -كما يقول العربي- أن يردوا بما يناسب الموضوع المطروح ردا علميا محددا يقنع بقية القراء والمتابعين من رواد التواصل والمشاهدين، ليكون الفكر مواجها للفكر، مشيرا إلى أنها معركة طويلة وممتدة وتحتاج من كل متخصص وصاحب رأي أن يخوض هذه المعركة، ويرد على هؤلاء الإعلاميين بما يستحق من ردود.

التجاهل هو الحل

من جهته، دعا الكاتب الصحفي سليم عزوز رواد مواقع التواصل إلى “اختبار قوة العزيمة والانتصار على شهوة جلب الإعجابات والمشاركات للمنشورات التي تتناول قضايا مثيرة للجدل، بتجاهل ذكر المثيرين للجدل والباحثين عن الشهرة”.

وتابع عزوز في مقطع مصور بثه على يوتيوب -وقت تصاعد الجدل بشأن عيسى- أن هناك من الإعلاميين من يتعمد استفزاز الناس ليصير حديث مواقع التواصل، التي باتت مقياسا لدى إدارات الفضائيات وشركات قياس الرأي العام لتقدير حجم المذيع وتأثيره، وبذلك يحقق الإعلامي هدفه بإيجاد أهمية لنفسه يدرك أنها مصطنعة، بفضل أولئك المستخدمين على مواقع التواصل الذين يجعلون من “الحبة قبة”، أي يعطون الأمور أهمية تفوق وزنها.

وأوضح عزوز أن السلطة وجدت في مثيري الضجيج الإعلامي قدرات ناجحة في إحداث تفجيرات وقنابل دخان للإلهاء، وكشف عزوز عن ملاحظات استخلصها من مشاهداته ومتابعاته مفادها أن كل مرة تتفجر فيها قضية جدلية مثيرة لغضب الجماهير، تتزامن مع تصريحات رسمية أو قرارات يمكن أن تشعل غضب الجماهير.

أما على مستوى المؤثرين على مواقع التواصل، فدورهم -بحسب نصيحته- يجب أن ينحصر في لملمة شظايا القنابل التي يطلقها هؤلاء الإعلاميون وإعادة توجيهها مجددا باتجاه مطلقها، ولكن بشكل احترافي وعقلاني وموزون يضعهم في أحجامهم الفعلية، ويفضح دوافعهم الحقيقية.

أزمة الإعلام

في سياق التعليق على أزمة الإعلام المصري بشكل عام، قال أستاذ الإعلام بجامعة السويس علي حسن إنه يشفق على حال الإعلام المصري الذي بات يلهث وراء التغيرات الدراماتيكية الهائلة الحادة السريعة في الأوضاع الداخلية والخارجية، مما جعله يعاني الارتباك  والسطحية والتوهان.

وأكد الأكاديمي المصري أن الثقة والمصداقية صارت في مهب الريح، حيث يتعرض الإعلام نفسه للضرب بقسوة، ولن يثق به أحد بعد. ومضى قائلا “إعلامنا لم يهتم بإفهام الناس، بل تطاول وراح يسب المصريين ويعايرهم في مكايدات خائبة”.

واعتبر علي في منشورات متتابعة له بصفحته الشخصية على فيسبوك، أن فريق التهليل والتضخيم والتفخيم أضر بالرئيس عبد الفتاح السيسي بأكثر مما يظنون، واصفا هؤلاء بأنهم “فريق من الدببة، تركوا إنجازات حقيقية ضخمة فعلا، وهللوا لما دون ذلك، ومنها مبادرات قومية رئاسية ضخمة لم ينتبه لها هؤلاء الطبالون بغشم وجهل”، على حد قوله.

تدافع طبيعي

في المقابل، يرى مغردون أن ما يجري هو أمر طبيعي وليس بالضرورة بهدف الإلهاء، وهو نوع من التدافع بين الناس فيما هم فيه مختلفون، ويستدعي المواجهة بالكلمة وبقدرالمستطاع من الأفعال، وأن أضعف الإيمان هو إنكار المنكر باللسان والكلمة، ردعا لهؤلاء من مثيري اللغط والخلاف في مسائل دينية خطيرة، بغض النظر عن كون ما صدر من إساءة إلهاء أم لا، خاصة وأن الناس باتت قليلة الحيلة إزاء ما يصدر من قرارات، والسلطة لا تحتاج لإلهائهم.

وعد مغردون وسائل التواصل هي المؤثر الوحيد تقريبا لدى السلطة في مصر، ولولاها لما جرت إحالة ابراهيم عيسى وغيره للتحقيق، كما أن مواقع التواصل دفعت السلطة للتراجع عن بعض قراراتها، بعد انحسار دور البرلمان والأحزاب والسياسيين في التعبير عن مصالح واتجاهات الجمهور.

ودلل هؤلاء بما جرى في قرار إلغاء الدعم عن رغيف الخبز، الذي أعلنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل شهور، ثم أرجأته الحكومة بعد تصاعد الاحتجاجات والتحذيرات ضد القرار على مواقع التواصل، وقانون الشهر العقاري الذي أرجأت الحكومة تنفيذه بسبب الاعتراضات الكبرى التي ثارت على مواقع التواصل، باعتبار القانون معوقا لبيع وشراء العقارات وإدخال المرافق لها.

وفي الإطار ذاته، شدد مغردون على ضرورة التصدي لمثيري الجدل في القضايا الدينية بغض النظر عن دوافعهم سواء طلبا للشهر أو إثارة للفتنة وإلهاء الناس عن قضاياهم المعيشية، معتبرين أن الدين أولى من القضايا المعيشية، وأن هناك هجمات منظمة تستهدف الثوابت الإسلامية.


المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply