قبل أيام اقترح الرئيس الأميركي جو بايدن أن تكون ميزانية وزارة الدفاع (بنتاغون) للعام القادم (2023) نحو 813 مليار دولار، وذلك بزيادة قدرها نحو 4% عن ميزانية العام الماضي، التي وصلت إلى نحو 777 مليار دولار. وهي أكبر زيادة تاريخية في ميزانية وزارة الدفاع الأميركية، علما بأن الجمهوريين -وليس الديمقراطيين- هم عادة أكثر من يهتمون بزيادة ميزانية الدفاع، وذلك على نحو ما فعل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.

أكبر الرابحين من الحروب والصراعات التي تجري حاليا -سواء في أوكرانيا أو في منطقة الشرق الأوسط (خاصة في اليمن وليبيا وسوريا)- هم الساسة الأميركيون الذين من المفترض أنهم مسؤولون عن اتخاذ القرارات السياسية المصيرية في ما يتعلق بالحرب والسلام.

وقبلها بأسابيع قليلة نشرت جريدة “نيويورك تايمز” تقريرا مفاده أن الولايات المتحدة قدّمت ما يقرب من 17 ألف صاروخ من نوعية “ستينغر” المضاد للطائرات، و”جافلين” المضادة للدبابات لأوكرانيا، وذلك خلال أسبوع واحد فقط من بدء الحرب الروسية عليها. في حين كشفت تقارير إخبارية أخرى عن أن نحو 18 عضوا في الكونغرس الأميركي وزوجاتهم لديهم أسهم في شركات السلاح التي تصنّع صواريخ “ستينغر” و”جافلين”، خاصة شركتي “رايثون” و”لوكهيد مارتن”، اللتين من المتوقع أن تحققا أرباحا هائلة بمليارات الدولارات على خلفية الحرب الدائرة حاليا في أوكرانيا.

الخيط الناظم بين هذه الأخبار والتقارير واضح وليس بحاجة لذكاء شديد لاكتشافه، وهو أن أكبر الرابحين من الحروب والصراعات التي تجري حاليا -سواء في أوكرانيا أو في منطقة الشرق الأوسط (خاصة في اليمن وليبيا وسوريا)- هم الساسة الأميركيون الذين من المفترض أنهم مسؤولون عن اتخاذ القرارات السياسية المصيرية في ما يتعلق بالحرب والسلام. وبالطبع، فمن مصلحة هؤلاء استمرار الحروب وليس توقفها، وذلك من أجل ضمان استمرار الأرباح وارتفاع عوائد حساباتهم البنكية، وهكذا.

في خطاب الوداع الذي ألقاه بعد انتهاء ولايته الرئاسية الثانية عام 1961، حذّر الرئيس الأميركي الـ34 دوايت أيزنهاور من خطر ما أسماه “المجمع الصناعي العسكري” (Military Industrial Complex -MIC) على عملية صنع السياسة في أميركا.

وكان أيزنهاور يقصد التحذير من التأثير الكبير “للوبي” (مجموعات الضغط) وشركات تصنيع السلاح في الولايات المتحدة، اللذين يهيمنان بشكل كبير على عملية صنع السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة. ودعا أيزنهاور -وهو الجنرال الذي قاد الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية- إلى أنه يجب وضع حد للتوسع غير المحدود في الصناعات العسكرية الأميركية، خاصة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.

تحذير أيزنهاور كان بمثابة صرخة في البرية، لم يستمع إليها أحد، أو يأخذ تحذيره على محمل الجد. ولربما هو الرئيس الوحيد الذي تجرأ على التحذير علنا من ذلك الأخطبوط العسكري الذي يهيمن على السياسة في أميركا، ويلعب دورا مهما في اختيار الساسة وانتخابهم من خلال الأموال الهائلة التي يتم إنفاقها على حملاتهم الانتخابية، وبالتالي توجيه سياساتهم الداخلية والخارجية.

تحذير أيزينهاور بات أمرا واقعا على مدار العقود السبعة الماضية، ونراه مع كل صفقة سلاح يتم توقيعها سواء بين وزارة الدفاع الأميركية وشركات تصنيع السلاح من جهة، أو بين هذه الشركات وحلفاء الولايات المتحدة الخارجيين من جهة أخرى. ولذلك فليس غريبا أن تخوض أميركا عشرات الحروب والنزاعات في مختلف بقاع الأرض من فيتنام إلى كوريا الجنوبية، مرورًا بالعراق وأفغانستان وسوريا وليبيا، وحاليا أوكرانيا. وأن يزدهر المجمع الصناعي العسكري، وينتفع رجاله وسماسرته من هذه الحروب والنزاعات. ويكفي فقط أن نشير إلى أن أرباح شركة “لوكهيد مارتن” العام الماضي فقط قد بلغت نحو 65 مليار دولار، ومثلها بلغت أرباح شركة “رايثون” للسلاح.

بل وصل الأمر أحيانًا إلى أن يحقق أعضاء الكونغرس الأميركي أرباحا هائلة ولو على حساب أرواح إخوتهم من الجنود الأميركيين أنفسهم كما حدث في العراق وأفغانستان. فعلى سبيل المثال، حققت شركات السلاح الأميركية -وكذلك المتعاقدون الخاصون الذين استعانت بهم الولايات المتحدة في حروبها بكلا البلدين- أرباحًا خيالية على مدار العقدين الماضيين، خاصة بعدما أنفقت الولايات المتحدة ما يقرب من تريليوني دولار على كلا الحربين.

ووصل الأمر بأحد أعضاء الكونغرس الأميركي، وهو النائب مايكل والتز عن الدائرة السادسة بولاية فلوريدا، إلى الهجوم على إدارة بايدن بسبب قرارها الانسحاب من أفغانستان الصيف الماضي، وذلك بعد أن كشفت تقارير صحافية عن أن والتز من أكثر المستفيدين ماديا من استمرار الحرب في أفغانستان، حيث كان يمتلك عدة شركات تقدم خدمات لوجيستية واستخباراتية للجيش الأميركي هناك. ويشير تقرير نشره موقع “إنترسبت” في أغسطس/آب الماضي إلى أن أسهم شركات والتز حققت بين 5 و25 مليون دولار عام 2019.

أيضا ليس غريبا أن معظم بلدان الشرق الأوسط من أهم زبائن شركات السلاح الأميركية والأجنبية بشكل عام، وذلك في ظل الارتفاع الهائل في مشتريات السلاح خلال الأعوام الماضية. فعلى سبيل المثال، احتلت السعودية المرتبة الأولى في قائمة أكثر دول العالم شراء للسلاح، تلتها الهند وبعدها مصر التي حلت في المرتبة الثالثة، وذلك خلال الفترة بين 2016 و2020، حسب تقرير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام.

وبالطبع ليس بالضرورة أن يتم استخدام كل هذه الأسلحة فعليًا، فجزء مهم منها يدخل ضمن منطق “الصفقات السياسية” التي تساعد في ضمان توفير الدعم السياسي والإستراتيجي للدول المستوردة للسلاح. ولذلك يحتفظ رؤساء ومديرو شركات السلاح العالمية بعلاقات جيدة ووطيدة مع معظم الساسة، سواء داخل أميركا أو خارجها.

قبل أيام قليلة نشرت الصحف والمواقع الأميركية أخبارًا حول تخصيص إدارة بايدن 3.5 مليارات دولار لتقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا في حربها ضد روسيا، وذلك في ما يعد أكبر حزمة مساعدات عسكرية تقدمها أميركا خلال العقود الأخيرة، خاصة لدولة من خارج دول حلف الناتو. ولعل أكثر من لمعت عيونهم لهذا المبلغ سماسرة الحروب في أميركا الذين سيحققون أرباحًا خيالية، وستنتعش أرباحهم وتمتلئ خزائنهم بمليارات الدولارات لسنوات، وربما لعقود قادمة.

المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply