توصل فريق دولي من العلماء إلى اكتشاف حفريات سيرينيا المعروفة أكثر باسم “أبقار البحر”، والتي يعود تاريخها إلى العصر الجيولوجي في أواخر العصر “الأيوسين” (Éocene)، أي منذ 35 إلى 40 مليون سنة، في جنوب مدينة الداخلة بمنطقة الصحراء.

شارك في الدراسة علماء الحفريات من كلية علوم عين الشق بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، ومن متحف علم الحفريات التابع لجامعة ميشيغان بالولايات المتحدة، وقسم الحفريات بالمملكة العربية السعودية، وتم نشر النتائج في دورية “جورنال أوف أفريكان إيرث ساينس” (Journal of African Earth Sciences) بتاريخ 11 مارس/آذار الماضي.

يقول سمير زهري، عضو فريق البحث من المغرب وأستاذ التعليم العالي بقسم الجيولوجيا (علم الحفريات) بجامعة الحسن الثاني، للجزيرة نت عبر البريد الإلكتروني: من وجهة نظر علمية، تلقي هذه الدراسة ضوءا جديدا على تطور هذه المجموعة من أبقار البحر التي هي أبناء عمومة الأفيال البعيدة والتي نشأت في القارة الأفريقية قبل انتشارها في جميع المناطق ذات المناخ الدافئ والمياه الضحلة العميقة والتي أطلق عليها “داخلاسيرين ماروكونسيس” (Dakhlasiren marocensis).

الحفريات الجديدة مكّنت العلماء من التعرف على جنس ونوع جديدين من السيرينين (الجزيرة)

نوع جديد

وحسب البلاغ الصحفي -غير المنشور- للدراسة الذي حصلت عليه الجزيرة نت من الباحث، فقد مكّنت هذه الحفريات المغربية الجديدة علماء الأحافير المغاربة والأميركيين من التعرف على جنس ونوع جديدين من السيرينين التي أطلقوا عليها اسم “داخلاسيرين ماروكونسيس”، لتحديد مكان الاكتشاف وهو مدينة الداخلة جنوبي المغرب، وتصنيف الحيوان “سيرين” (sirene).

يقول سمير زهري للجزيرة نت: إنه جنس جديد ونوع جديد من “سيرينين” (sirenian) يقدم معلومات جديدة عن تاريخ تطور هذه المجموعة، إذ أظهرنا أيضا أن هذا النوع كان له سطح مضغ أمامي متخصص بشكل واضح (في مقدمة الفك السفلي) غير موجود في البروتوزيرانيين الأخرى ولا في أبقار البحر المعاصرة، مما يشير إلى طريقة مختلفة للتغذية وربما بيئة معينة.

وحسب سمير زهري، فقد تم اكتشاف حفريات هذه السيرينين بين عامي 2013 و2016 خلال عدة بعثات ميدانية، وتم إعدادها وترميمها في معمل الحفريات التابع لقسم الجيولوجيا في كلية العلوم في عين الشق، حيث بدأت الدراسة الفعلية في الواقع منذ اكتشافها ببحث ببليوغرافي لجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات حول هذه المجموعة ولتحديد هذه العظام الأحفورية من وجهة نظر تشريحية وتصنيفية.

وكان التحدي الرئيسي لدى فريق البحث هو عدم وجود مجموعات من المقارنات في المغرب مع الحفريات السيرينية المعروفة بالفعل، ويشير الباحث زهري إلى أنه “تم التغلب على هذا العائق أثناء الإقامة في متحف جامعة ميشيغان لعلم الأحافير، والذي يضم واحدة من أغنى مجموعات الحفريات لممثلي هذه المجموعة”.

النوع الجديد من أبقار البحر المكتشف ا أطلق عليه اسم(Dakhlasiren marocensis) لتعليم مكان الاكتشاف وهي مدينة الداخلة في المغرب (الجزيرة)
هذا النوع من أبقار البحر كان له سطح مضغ أمامي متخصص بشكل واضح في مقدمة الفك السفلي (الجزيرة)

دراسة لتطور تلك الحيوانات

ووفقا للبلاغ الصحفي لفريق البحث، فإن أبقار البحر “سيرينينز” (Sirenians) هي الثدييات البحرية العاشبة الوحيدة الحالية التي أصبحت مائية بشكل حصري، وتتمتع حيوانات “سيرينينز” مثل الحوتيات (Cetacés: Baleines et Dauphins)، باهتمام كبير لدراسة تطور تلك الحيوانات لأنها تنحدر من ثدييات أرضية تطورت لتصبح مائية بالكامل.

وانتقلت المجموعتان “سيرينينز” و”سيتاسون” (Cetaceans) من التكيف مع الحياة البرية إلى الحياة المائية بشكل مستقل خلال الفترة المبكرة من منتصف العصر الأيوسيني (أي منذ حوالي 50 إلى 30 مليون سنة).

وتعتبر أبقار البحر “سيرينينز” من الثدييات البحرية التي تشمل اليوم “ديغونغ” (Dugong) و”مانتي” (Manatee) التي تعيش في المياه الاستوائية الضحلة، وخاصة في نصف الكرة الجنوبية.

وتعيش الأنواع الثلاثة الحالية من بقر البحر “مانتي” على طول سواحل المحيط الأطلسي وفي أنهار أميركا اللاتينية وغرب أفريقيا، ويعيش بقر البحر “ديغونغ” في المحيطي الهندي والهادي. وهذه الأنواع الحالية هي في الواقع بقايا لترتيب تصنيفي منقرض بلغ ذروته في العصر الميوسيني (24-53 مليون سنة مضت)، وهي فترة مناخ عالمي دافئ يتزامن مع موائل ساحلية دافئة وضحلة واسعة النطاق، حسب البلاغ الصحفي.

انتقال أبقار البحر بين البيئة الأرضية والمائية فرض تعديلات مورفولوجية وفسيولوجية (الجزيرة)

ويوضح سمير زهري أن “أحد الاختلافات المهمة بين الأنواع الحديثة لأبقار البحر وخراف البحر هو أن هذه الأخيرة لم يعد لديها الأطراف الخلفية التي كانت موجودة في الأشكال القديمة، على الرغم من أن البروتوسرينات والأبقار من العصر الأيوسيني لم يعد بإمكانها استخدام أطرافها للمشي على الأرض الجافة”.

وفرض الانتقال بين البيئة الأرضية والبيئة المائية خلال تاريخها التطوري تعديلات مورفولوجية وفسيولوجية كبيرة، واكتشاف العينات الأحفورية يجعل من الممكن تتبع مراحل هذه العملية التطورية، كما توسع دراسة أحافير بقر البحر المغربي المعرفة فيما يتعلق بـ”بروتسيغندي” (Protosirenidae)، وهي عائلة أسلاف هذه المجموعة التي اختفى أعضاؤها منذ حوالي 30 مليون سنة، وفق ما أشار إليه البيان الصحفي.

ويضيف زهري: كانت حيوانات “سيرينينز”، مثل الحيتان، قد تكيفت تدريجيا مع الحياة المائية، وفي غضون بضعة ملايين من السنين، تكيفت تماما مع الحياة في الماء، وحدثت تغيرات في علم التشريح وعلم وظائف الأعضاء وغيرهما، وتعتبر “سيرينينز” اليوم هي الثدييات البحرية العاشبة الوحيدة الموجودة والثدييات العاشبة الوحيدة التي أصبحت مائية حصريا”.

الدراسة جزء من مشروع لدراسة الفقاريات البحرية من العصر الأيوسيني بالصحراء جنوبي المغرب (الجزيرة)

مشروع دراسة الفقاريات البحرية

الجدير بالذكر أن هذه الدراسة العلمية هي جزء من مشروع دراسة الحيوانات الفقارية البحرية من العصر الأيوسيني في الصحراء جنوبي المغرب، وعلاقتها بالتغيرات المناخية في ذلك الوقت.

ويختم الباحث المغربي سمير زهري مقابلته مع الجزيرة نت بالقول “يشجعنا هذا الاكتشاف، مثل العديد من الاكتشافات الأخرى التي قمنا بها في المنطقة، على مواصلة التحقيقات، لأن كل هذه الحفريات مفيدة لنا، خاصة لإعادة بناء تاريخ المناخ القديم وعلم البيئة القديمة في هذا الوقت الذي شهد تغيرات مناخية كبيرة والتي يمكن أن تساعدنا على فهم الاضطرابات الحالية في المناخ”.

المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply