الأفكار الجديدة عادة ما تسيء إلى العقلية القديمة، ودائما ما يكون التغيير مدمرا للبيروقراطية، بينما تعد التنافسية العالمية مخيفة بالنسبة لمستويات الكفاءة الحالية؛ فما الذي يدفع المرء للنضال من أجل التغيير والتقدم؟

اكتسح تأثير جائحة كوفيد-19 كل شيء في حياة البشر، وكان الاقتصاد هو أكبر وأوضح المجالات التي تأثرت بالوباء، حيث أدى إلى تغير السلوك الاقتصادي والإدارة المالية، كما ظهر بشكل واضح تأثير عمليات التضليل في الاقتصاد.

ونشر موقع “مودرن دبلوماسي” (modern diplomacy) الأميركي، تقريرا للكاتب نسيم جافيد، تحدث فيه عن أهمية التعلم من الاقتصادات الفاشلة، وذلك من خلال قياس مستويات الازدهار في أي بيئة عندما يفشل كل من السلوك الاقتصادي والإدارة المالية في تقديم الإضافة المناسبة، وضرورة البحث في تأثير التضليل على الاقتصادات ومتى يجب تغيير القواعد وإصلاحها واتباع مسارات الانتعاش الصحيحة؟

ويقول الكاتب إن الأفكار الجديدة عادة ما تسيء إلى العقلية القديمة، ودائما ما يكون التغيير مدمرا للبيروقراطية بشكل كبير، بينما تعد التنافسية العالمية العصرية مخيفة للغاية بالنسبة لمستويات الكفاءة الحالية؛ فما الذي يدفع المرء للنضال من أجل التغيير والتقدم؟

البحث عن الشجاعة لمواجهة الحقيقة

عندما تكون الأرقام حقيقية، بينما الإحصاءات والنتائج النهائية وهمية؛ فإن مواجهة الحقيقة تتطلب شجاعة غير عادية، وغالبا ما تكون خسائر الفرص أكبر بكثير من الخسائر الحالية، كما أن إهدار المواهب البشرية أمر مأساوي للغاية، خاصة عندما يسجّل الرخاء الشعبي العام مستويات بائسة للغاية.

ويشير الكاتب إلى أنه في عالم لا يركع أمام أي أحد، فإن المناقشات الجريئة هي الوحيدة التي تقدم إجابات محتملة عندما يسود الصمت، الذي لا يدل سوى على عدم الكفاءة في مواجهة الحقيقة.

التنمية الاقتصادية

ويبين الكاتب أن مصطلح “اقتصادي” يدور حول الأرقام وأصلها ومصدرها وطريقة التلاعب بها، حيث يمكن إدارته بشكل أفضل من خلال القدرات الحسابية المؤهلة وعقليات الباحثين عن عمل، في حين أن مصطلح “التنمية” يدور حول إنشاء الأعمال والشركات الجديدة الأنسب للعقليات التي تخلق فرص عمل لريادة الأعمال فقط. فبينما تنمو عقليات الباحثين عن عمل وتبني المنظمة، تنشئ عقلية منشئ الوظائف الفكرة وتلك المنظمة في المقام الأول، وكلتا العقليتين جيدتان وضروريتان لتحقيق نمو مذهل.

يعد سوق تداول الأوراق المالية أحد أهم مصادر الربح.
لا يمكن بناء المنظمات دون فهم العقليات وتطابق الاسم الوظيفي مع المهارات والخبرة (شترستوك)

فهم فرضية العقلية الجديدة

وبحسب الكاتب، فإن فرضية العقلية الجديدة تتحدى أي إدارة حكومية أو وكالة لامتلاكها عددا كبيرا جدا من الباحثين عن عمل من أصحاب العقول الحسابية المكلفين بالتنمية الاقتصادية، بينما تفتقر بشكل خطير لعقلية مبتكري العمل الريادي، مما يضع أي تنمية اقتصادية في المسار الخاطئ ويضرّ بدوره بالنمو الاقتصادي المنشود في نهاية المطاف.

“لينكد إن” يكشف الحقيقة

ويرى الكاتب أن حسابات “لينكد إن” (LinkedIn) الخاصة بفرق التنمية الاقتصادية المختلفة تكشف الكثير عنهم، مما من شأنه أن يتيح إمكانية تحديد عدد عقليات الباحثين عن عمل وعقليات منشئي الوظائف داخل أي إدارة حكومية أو وكالة.

كما أن إجراء بحث بسيط حول هذه الحسابات، يظهر أن إيجاد توازن معتدل كحد أدنى بين العقليات يعدّ بداية جيدة، لكن الإدارات والفرق التي لديها 10% فقط أو أقل من عقلية منشئي فرص العمل لريادة الأعمال، تصور التنمية الاقتصادية على أنه لا ضرورة لها وتسبب عائقا أمام التقدم الاقتصادي الوطني.

رسم خرائط العالم

وينوه جافيد إلى أنه لا شيء أكثر أهمية اليوم في الأجندة الوطنية -في جميع أنحاء العالم- من “التنمية الاقتصادية”، بينما تكافح كل دولة جاهدة لخلق ازدهار على مستوى شعبي لتحقيق الاستقرار للمواطنين المحليين والنهوض باقتصادات الأعمال الصغيرة والمتوسطة، مبينا أن وجود أزمة عقليات عالمية جديدة تقسم الهدف وتتحدى النماذج الوطنية من شأنها أن تشكل خطرا كبيرا؛ لذلك تتقدم التعبئة الوطنية لريادة الأعمال ببطء في جميع أنحاء العالم، بينما تعطي الدول الأولوية لاقتصادات الأعمال الصغيرة والمتوسطة من أجل الاستدامة.

التعرف على العقلية

وفي عالم يُقاس فيه كل شيء كالجنس والعرق والدين والثقافة، وتعتمدُ فيه تقنية التعرف على الوجه باسم “الذكاء الاصطناعي”، وتخضعُ فيه جميع القرارات المتعلقة بإدارة الموارد البشرية للبرمجة وفقًا لذلك؛ فإن تجاهل تأثير الفرضية الجديدة المتعلقة بالعقليات على النمو الاقتصادي يعتبر خطرا كبيرا. وفي المقابل، يشكل الجمع بين العقليتين للعمل معا فنا جديدا، بينما تمثل تعبئة التنمية الاقتصادية علما جديدا.

يشجعنا التحدي دائمًا على تخطي الحدود واستكشاف الفرص
الدخول إلى عالم تنافسي يتطلب مهارات خاصة للغاية في مجال التصنيع والتصميم والإنتاج والإدارة والتصدير (شترستوك)

العلاج بالصدمات

وقد أصبح العالم تنافسيا للغاية، والدخول إلى عالم مفتوح على مصراعيه يتطلب مهارات خاصة للغاية في مجال التصنيع والتصميم والإنتاج والإدارة والتصدير. ويعتبر جافيد أن أعضاء فرق التنمية الاقتصادية في جميع أنحاء العالم يعيشون أول صدمة لهم عند دخول أي معرض تجاري معترف به عالميا، ومشاهدة التطورات والجودة والتسعير للسلع والخدمات المتاحة من جميع أنحاء العالم.

ويبين أن أرقام التصدير المتضائلة لا تعكس سوى حقيقة أن الدول غير مستعدة، وتظهر مدى سوء التطورات وافتقارها إلى العمق في شؤون العصر العالمي، مؤكدا في الوقت نفسه على الأهمية الحاسمة لتكليف الفرق ذات العقلية الصحيحة بمثل هذه المهام التي تعتبر تحديا كبيرا بالنسبة لقرابة 200 دولة، ونحو ألف إدارة ووكالة مختلفة تعمل في التنمية الاقتصادية وتواجه الآن الفرضية الجديدة.

إجراء الاختبار البسيط

ويعتقد الكاتب أنه لا يمكن للمرء أن ينعش ويبني اقتصادا تجاريا صغيرا ومتوسطا دون عقلية إنشاء وظائف ريادية، وأن إخضاع كل إدارة أو وكالة أو مجموعة تجارية أو غرفة أو وزارة للاختبارات الفعلية والتقييم أمر مهم، إلى جانب أن حشد الشركات الصغيرة والمتوسطة داخل أي منطقة أو عبر الأمة يتطلب معرفة وفهما موثوقين لمثل هذه التعبئة.

حلول الخطوات الثلاث

ولا يمكن بناء المنظمات دون فهم العقليات وتطابق الاسم الوظيفي مع المهارات والخبرة، كما أنه لا يوجد استخراج صحيح للبيانات الاقتصادية دون عقلية باحث عن عمل، ولا يوجد نمو أو تنمية دون عقلية منشئ الوظيفة وريادة الأعمال، إضافة إلى أنه لا توجد تنمية اقتصادية دون خلق النسبة الصحيحة المتوازنة بين العقليتين، ولا يكون هناك ازدهار على مستوى شعبي دون جمع العقليتين معا كفن وعلم جديد.

اتبع درب الصمت

ويختتم جافيد مقاله بالقول إنه دون عقلية ثورية للارتقاء بالاقتصاد الوطني؛ يكاد يكون من المستحيل جمع كلتا العقليتين معا كوسيلة تدريجية للارتقاء بالاقتصاد الوطني، لافتا إلى ما يشهده التطور الاقتصادي من ركود بسبب غياب عقلية الريادة الواقعية من جميع المجالات من المجال الأكاديمي وصولا للمؤسسات الاقتصادية الوطنية، والسبب هو الخوف، قائلا في النهاية: “لذلك، وداعا للوباء، ومرحبا بالتوطن”.

Share.

رئيسة تحرير موقع شام بوست والمشرف العام عليه

Leave A Reply