الخرطوم- منهيا حالة صمت طويلة، وكثيرا من التكهنات، خرج محمد حمدان دقلو (حميدتي) نائب رئيس مجلس السيادة السوداني معلنا لأول مرة تأييده لقرارات قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان التي أعلنها في الرابع من يوليو/تموز الجاري بانسحاب المكون العسكري من المفاوضات السياسية، لإفساح المجال أمام القوى المدنية للاتفاق على تكوين الحكومة واستكمال الهياكل الانتقالية.

وقرارات البرهان التي أفصح عنها على نحو مفاجئ أثناء وجود حميدتي في دارفور، أثارت وقتئذ كثيرا من التأويلات بأن حميدتي -الرجل الثاني في مجلس السيادة ورئيس وفد التفاوض مع المكون المدني- ليس راضيا عن وقف المفاوضات التي كانت قد بدأت برعاية سعودية أميركية.

وعضد من هذه التكهنات بقاء حميدتي في دارفور أسابيع، بالترافق مع رواج تقارير عن خلافات مكتومة مع البرهان بلغت حد التحشيد العسكري لكل طرف.

دحض التأويلات

وبالبيان الذي أصدره الجمعة، أرسل حميدتي إشارات بأنه والبرهان على قلب رجل واحد، وأن قرار الانسحاب من المفاوضات السياسية اتخذ بالتشاور، قائلا “هذه القرارات عملنا على صياغتها معا، وعبر تشاور مستمر، وبروح الفريق الواحد، وبنية صادقة أن نوفر حلولا للأزمة الوطنية مهما كلفتنا من تنازلات”.

وأضاف “لن نتمسك بسلطة تؤدي إلى إراقة دماء شعبنا والعصف باستقرار بلادنا، لذا قررنا معا إتاحة الفرصة لقوى الثورة والقوى السياسية الوطنية أن تتحاور وتتوافق من دون تدخل منا في المؤسسة العسكرية، وقررنا بصورة صادقة أن نترك أمر الحكم للمدنيين، وأن تتفرغ القوات النظامية لأداء مهامها الوطنية السامية المنصوص عليها في الدستور والقانون”.

واتساقا مع خطاب البرهان، مضى حميدتي مؤكدا أن السلطة لن تنقل للمدنيين إلا بعد توافق واسع بين جميع المكونات، وحث قائد الدعم السريع من سماها قوى الثورة والقوى السياسية الوطنية للإسراع في الوصول إلى حلول عاجلة تؤدي إلى تشكيل مؤسسات الحكم الانتقالي.

ومن وجهة نظر مراقبين، فإن كلا من البرهان وحميدتي على قناعة بأن الخلافات العاصفة بين المكونات السياسية تصعب الاتفاق على حد أدنى من الثوابت، فضلا عن التوافق حول حكومة مدنية بهياكل متكاملة، بما يعني استمرار العسكر في السلطة وقتا طويلا.

ويرى الكاتب الصحفي محمد حامد جمعة أن بيان حميدتي تضمن تأكيدات بدعم المرحلة الانتقالية وحمايتها، وفيه “تجديد ولاء للبرهان”، ويقول للجزيرة نت إن حديث الرجل الثاني بالمجلس السيادي فيه إشارة “ربما لآخرين يتوقع أنهم قد ينقضون على السلطة”.

ويتابع جمعة “البيان بالجملة مقصود لإشارات تتعلق بالجيش ومغازلة لأطراف مدنية، وبعض موقعي اتفاق السلام”.

حميدتي شدد على عدم تمسك المكون العسكري بالسلطة (رويترز)

تحالف مرتقب

اللافت أن بيان حميدتي حظي بترحيب سريع من عدد من قادة حركات دارفور المسلحة، إضافة إلى الجبهة الثورية، وهو تنظيم يضم موقعي اتفاق السلام، أما الجبهة فكانت اعترضت بشدة على قرار انسحاب العسكريين من التفاوض، معلنة أنها “لن تشارك في أي حوار يغيب عنه المكون العسكري، لأن ذلك يعمق الأزمة السياسية في السودان”.

ويفسر جمعة تحول موقف الجبهة الثورية بأنه مؤشر على تحالف مرتقب بين حميدتي وعدد من فصائلها.

غير أن القيادي بائتلاف الحرية والتغيير أحمد حضرة ينظر إلى حديث حميدتي من اتجاه آخر مفاده أن الرجل أكد أنه “شريك كامل في الانقلاب، وأنه سبب في الأزمة الكبيرة التي أصبحت تهدد البلاد ووحدتها ومخاطر تقسيمها واشتعال الصراعات القبلية بين أهلها”.

وأضاف في حديثه للجزيرة نت “الخطاب لم يعترف بحالة اللادولة، وأن مصيرها أصبح بيد أفراد لا أجهزة أو حكومة ومؤسسات حقيقية”، كما أن حميدتي -وفقا لحضرة- لم يعلن إبطال قرارات الانقلاب وينفض يده منها ويتراجع عن الأخطاء المستمرة.

ويعتقد القيادي أن الإعلان المستمر عن الزهد في السلطة والرغبة بتسليمها للمدنيين ليس سوى “كلمات حق يراد بها باطل”، وأنه كان بإمكان حميدتي إعلان التنحي وعدم تحمل المسؤولية عن كل ما يحدث لإثبات جديته في الابتعاد عن السلطة.

ويرى الكاتب والباحث السياسي محمد المبروك أن تصريحات حميدتي “تؤكد أنه والبرهان يئسا من الرهان على المكون المدني المتشظي، ولحقا بمشروع سياسي يطبخ على نار هادئة محوره الجيش”.

وأضاف للجزيرة نت أن عواصم دولية بينها واشنطن، وإقليمية بينها القاهرة، ليست بعيدة عن الإسهام في نسج هذا المشروع البعيد المدى الذي وضع الأولوية للاستقرار والحفاظ على الدولة من الانهيار.

ويشدد المبروك على ضرورة ألا يصبح المكون المدني -بما فيه قوى الحرية والتغيير- رهانا خاسرا تماما في نظر الفاعلين الآخرين في المشهد السياسي السوداني، مطالبا هذا المكون بإعادة حساباته والقبول بحوار توافقي قصير يفضي إلى تشكيل حكومة كفاءات وطنية ذات برنامج محدود ومهمة محددة هي التحضير للانتخابات العامة وإنهاء هذه المتاهة المسماة بالمرحلة الانتقالية.

تحركات الموالين

وحتى الآن لا توجد مؤشرات على انطلاق حوار بين المكونات المدنية باستثناء ما أعلنته الآلية الثلاثية (الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، والهيئة الحكومية للتنمية في أفريقيا/إيقاد) هذا الشهر من عزمها استئناف المشاورات بين الأطراف السودانية من دون أن تحدد موعدا قاطعا للخطوة.

وبالتوازي مع ذلك، أعلن ائتلاف الحرية والتغيير ممثلا في مجموعة التوافق الوطني نهاية الأسبوع الماضي تكوين لجنة للاتصال السياسي برئاسة حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي؛ لإجراء اتصالات بكل الأطياف السياسية لتحقيق الإجماع، وأن تشرع في مهامها خلال هذا الأسبوع.

كما قرر الائتلاف تكوين لجنة تعمل على تطوير رؤية سياسية متكاملة تشمل موضوعات تشكيل الحكومة، ومهامها، واختيار رئيس الوزراء، وبرنامج الحكومة الانتقالية وصولا لانتخابات بنهاية الفترة الانتقالية، على أن تجاز هذه الرؤية في مؤتمر قضايا الانتقال المقرر خواتيم الشهر الجاري بالخرطوم، وستتفق فيه الأطراف على رئيس للوزراء وأعضاء الحكومة.

ولأن دعاة هذه التحركات يتهمون بموالاة المكون العسكري، فإن أطرافا عديدة من الواجهات المدنية ستعتذر عن الاجتماع بلجنة مناوي السياسية، وهو ما من شأنه تعقيد الوضع السياسي إذا مضت هذه التحركات في اتجاه الاتفاق على حكومة ورئيس وزراء من دون التفات إلى المعارضين.


المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply