نشرت مجلة “فورين بوليسي” (Foreign Policy) الأميركية مقالا تناول إخفاقات الجيش الروسي العديدة، سواء في ميادين القتال بأوكرانيا، أو في محاولاته إصلاح مكامن الضعف في أجهزته وأساليب عمله.

وذكر كاتب المقال أوستن رايت -وهو خبير في مجال الحد من انتشار الأسلحة والتجارة الإستراتيجي- أن روسيا كان يُنظر لها قبل فبراير/شباط الماضي على أنها إحدى القوى العسكرية العظمى في العالم.

وقال إن قوة روسيا العسكرية -التي تمتلك خامس أكبر جيش نظامي في العالم قوامه 900 ألف جندي و2 مليون جندي احتياطي، وميزانية دفاع تبلغ 65.9 مليار دولار- خيمت على منطقة أوراسيا وحلف شمال الأطلسي (ناتو) بشكل عام.

ومع ذلك فإن الشيء الوحيد الذي يجيده الجيش الروسي على ما يبدو هو استخدام نيران المدفعية بكثافة، وارتكاب جرائم حرب، على حد وصف كاتب المقال.

ثقافة عسكرية خطيرة

في حين أن الأمر المحرج بشكل خاص -برأي أوستن رايت- هو قدرة روسيا على قتل كبار قادتها العسكريين، أو إقالتهم. فقد أفادت التقارير بأن روسيا فقدت حتى الآن 9 من جنرالاتها في ساحة المعركة، وعددا كبيرا آخر منهم داخل البلاد بينما يواصل الرئيس فلاديمير بوتين حملة تطهيره لكبار الضباط.

ووفقا للمقال، لم تفلح زيادة الإنفاق الدفاعي والسياسة الخارجية “العدائية” في معالجة القضايا “الخطيرة” التي ابتُليت بها الثقافة العسكرية الروسية منذ انهيار الاتحاد السوفياتي.

ولطالما كان توطيد دعائم السلطة في أيدي قلة من كبار المسؤولين العسكريين والنأي بالجيش عن الرقابة العسكرية من السمات المميزة للدولة الروسية، حسب مقال رايت.

وضرب مثالا على ذلك بمساعي الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين (1991-1999)، الذي كانت خطوته الأولى هي إلغاء الرقابة البرلمانية على الأجهزة الأمنية وتعزيز سيطرته على وزارتي الدفاع والداخلية وكذلك جهاز المخابرات “كيه جي بي” (KGB) من خلال إنشاء وزارة الأمن والشؤون الداخلية الروسية.

وتسربت رغبة يلتسين في السيطرة الشخصية على حساب الكفاءة إلى بقية أجهزة الحكومة، وهي حقيقة تجلت في وزير دفاعه بافيل غراتشيف، الذي كان يفتقر للكفاءة برأي الكثيرين.

ومضي رايت إلى القول إن المثالب التي كانت سمة بارزة في الاتحاد السوفياتي انتقلت عقب سقوطه إلى أسلوب الإدارة ونمط القيادة للحكام الجدد في روسيا. وكان أن شاب الفساد جوانب كثيرة من الدولة الروسية الجديدة.

وعندما تقلد بوتين مقاليد الرئاسة لأول مرة بين عامي 2000 و2008، كانت متطلباته -وليست متطلبات الجيش- التي حددت طبيعة تحديث خدمات الدفاع والقيادة الروسية.

إصلاحات عسكرية

وطبقا لمقال فورين بوليسي، فإن الأداء “الباهت” للقوة الجوية الروسية، وعجز خدمات الجيش عن التعاون في العمل، والفشل في عمليات النقل والإمداد، والإخفاق في تبادل المعلومات الاستخباراتية وبيانات الاستطلاع بشكل فوري، وسوء تنظيم القوات المسلحة، كل ذلك أظهر حجم الأضرار التي تسبب فيها القادة العسكريون.

كانت تلك الإخفاقات كافية للدفع بالإصلاحات التي تمت عام 2008 بهدف استحداث جيش أكثر فعالية ومرونة وقابلية للتطوير، وهي الإصلاحات التي قادها أناتولي سيرديوكوف الذي شغل منصب وزير الدفاع في الفترة من 15 يناير/كانون الثاني 2007 حتى السادس من نوفمبر/تشرين الثاني 2012.

وحاول سيرديوكوف من خلال تلك الإصلاحات تقليص أعداد الضباط بشكل كبير بحلول عام 2013، إعادة تنظيم الوحدات العسكرية، وإنشاء إدارة للرقابة المالية داخل وزارة الدفاع للسيطرة على تدفق الأموال إلى هيئة الأركان العامة.

ولكن عدم ثقته بالجيش ونقص المعرفة العسكرية العامة أديا إلى نفور الجماعات العسكرية والمجمع الصناعي العسكري، وكلاهما من الحلفاء الرئيسيين لبوتين، الأمر الذي أجج الخوف من تلك الإصلاحات العسكرية.

وفي نهاية المطاف، رفعت إدارة مكافحة التجسس العسكري، التابعة لجهاز الأمن الفدرالي الروسي، دعوى جنائية ضد سيرديوكوف أفضت إلى إقالته عام 2012.

خلل في قيادة الجيش

ولفت  رايت -في مقاله- إلى أن وزير الدفاع الحالي سيرغي شويغو حاول الموازنة بين المحسوبية والحاجة إلى الإصلاحات. ورغم أنه لم يقم حتى الآن بإلغاء التغييرات الهيكلية التي أدخلها سيرديوكوف، فإنه ما لبث يواصل إخماد الانتقادات الموجهة إليه من جهات مستقلة، وتقييم العمليات العسكرية.

وأدى الافتقار إلى الرقابة البرلمانية وتسييس الأهداف العسكرية إلى خلق بيئة يعمل فيها بوتين “بمعلومات مشوهة تبالغ عمومًا في تقدير مكانة القوات المسلحة، وفقا لتقرير صادر عن مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية.

وتعد تجربة روسيا في أوكرانيا خير مثال على ذلك، بحسب رايت الذي أوضح أن القيادة الروسية فقدت مجموعة كاملة من القادة رفيعي المستوى، من قادة كتائب المشاة وفرق الدبابات إلى رؤساء وحدات الحرب الإلكترونية.

ولقد أظهرت القيادة العسكرية الروسية عدم استعدادها لتفويض صلاحيات إلى صغار الضباط، وهذا يعني ليس فقط أن الجنرالات يميلون إلى الظهور في أرض المعارك بشكل أكبر مما يجعلهم عرضة لهجمات، بل إن صغار الضباط كذلك يفتقرون إلى الخبرة لقيادة العمليات في ساحات القتال عند استدعائهم.

ويخلص الكاتب -في نهاية مقاله- إلى أن خسائر الجيش الروسي تفاقمت بسبب النقص في الضباط الذين يحلون محل الذين فقدوا في الحرب.

المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply