طهران– على عكس المعارضة الشرسة التي كانت تعترض على تصريحات بعض المسؤولين الإيرانيين بشأن اقتراب طهران من صناعة القنبلة النووية، قوبلت تصريحات رئيس المجلس الإستراتيجي للسياسات الخارجية كمال خرازي بشأن قدرة بلاده على صناعة السلاح النووي بترحيب واسع في إيران.

ولعل المتحدث الأسبق باسم الخارجية الإيرانية، حسين جابري أنصاري، كان سباقا في فك شفرة تصريحات خرازي، التي وصفها بأنها تعكس السياسة الإيرانية ومؤشر أولي على إستراتيجية محتملة جديدة.

ورأى أنصاري -في تغريدة له على تويتر- أن المفاوضات النووية بلغت طريقا مسدودا، مضيفا أن بعض الأوساط الإيرانية ترى أن استمرار الوضع الراهن قد يغيّر في إستراتيجية إيران النووية على المدى المتوسط أو یجعل التغيير خيارا لا بد منه.

تفاعل إيجابي

في غضون ذلك، قال السياسي المحافظ محمد جواد لاريجاني -في برنامج حواري على القناة الثانية بالتلفزيون الإيراني- إنه إذا أرادت إيران صناعة أسلحة نووية فلا أحد يستطيع منعها من ذلك، مستدركا أن بلاده لا تريد صناعة قنبلة نووية، وفقا لتعاليم الشرع الإسلامي وفتوى المرشد الأعلى علي خامنئي.

ويأتي التفاعل الإيجابي مع مواقف خرازي على خلاف المعارضة الشرسة التي أعقبت تصريحات وزير الأمن الإيراني السابق محمود علوي عام 2021، عندما قال إنه “إذا تم الدفع بطهران نحو صناعة سلاح نووي فلن يكون ذنبها، بل ذنب من دفعها”.

وأبريل/نيسان الماضي، جوبهت تصريحات النائب السابق لرئاسة البرلمان الإيراني علي مطهري، بأن هدف بلاده عند إطلاق الأنشطة النووية “كان صناعة القنبلة الذرية وتعزيز قوة الردع”، بانتقادات لاذعة أرغمته على التراجع والقول إن كلامه “لم ينشر بشكل صحيح”.

العتبة النووية

وأجمع المراقبون في إيران على أن تصريحات خرازي بمثابة إعلان رسمي عن بلوغ طهران العتبة النووية، وتأتي ردا على توقيع الرئيس الأميركي جو بايدن وثيقة “إعلان القدس” للحفاظ على تفوق إسرائيل العسكري ومنع امتلاك إيران سلاحا نوويا.

من جانبه، يرى الباحث السياسي حسن بهشتي بور أن مواقف خرازي “تحمل رسائل للمحور الصهيوأميركي الذي أطلق من تل أبيب تهديدات بشن هجوم عسكري على إيران، فضلا عن رسالة طهران للجهات التي تريد منعها من امتلاك سلاح نووي”.

وقال بهتشي بور “إننا بلغنا العتبة النووية وأصبحنا قادرين على إنتاجها لكننا لم نقم بذلك؛ لأن القنبلة النووية ليست في عقيدتنا العسكرية”.

عدة جولات من مفاوضات فيينا بشأن النووي الإيراني أخفقت في التوصل لاتفاق مرض للأطراف المشاركة فيه (الأناضول)

وأشار الباحث -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن المعسكر الغربي، بتحريض من إسرائيل، ينوي فرض شروطه في المفاوضات النووية، مؤكدا أن إيران بعثت رسالة مفادها أنه لم يعد بإمكان المعسكر المعادي القضاء على برنامج طهران النووي بعد توطينها التكنولوجيا النووية.

وشدد الباحث الإيراني علی أن إعلان بلاده الأخير يحمل تحذيرا مبطنا للجهات التي تفكر في تهديد أمن طهران القومي لردعها من ارتكاب أي خطوة استفزازية قد تدفع إيران نحو صناعة القنبلة النووية.

وخلص بهشتي بور إلى أن مواقف خرازي -الذي سبق أن تولى حقيبة الخارجية في حكومة الإصلاحي محمد خاتمي- وتصريحات لاريجاني كونه من صقور المحافظين الذين عارضوا الاتفاق النووي، تنم عن اتفاق ضمني في البيت الإيراني بشأن تغيير محتمل في إستراتيجية البلاد النووية.

صناعة القنبلة

من ناحيته، يرى الأكاديمي المختص في شؤون الطاقة النووية محسن جليلوند أن الرد الإيراني على جولة بايدن الشرق أوسطية قد تحدى المساعي الرامية إلى القضاء على برنامج بلاده النووي، مؤكدا أن برنامج الطاقة النووية يتكون من المنشآت والتكنولوجيا؛ مما يعني أن فكرة القضاء على برنامج إيران النووي أصبحت من الماضي بعد بلوغ طهران العتبة النووية، وأن مهاجمة جميع المنشآت النووية لن تقضي على معرفة إيران النووية.

وأوضح جليلوند، للجزيرة نت، أن تطوير السلاح النووي ممكن عبر استخدام نظائر اليورانيوم-235 أو البلوتونيوم-239 في الانشطار النووي، مؤكدا أن الاتفاق النووي المبرم عام 2015 جعل إنتاج إيران للمادة الأخيرة أمرا مستحيلا؛ لأن القيود التي فرضت على مفاعل المياه الثقيلة في أراك تحول دون إنتاج البلوتونيوم من النوعية العسكرية.

وأشار الباحث الإيراني إلى أن اليورانيوم المخصب بنسبة 90% مادة أساسية في تطوير القنبلة النووية، مؤكدا أن بلاده لديها مخزون كاف من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% وأن عملية رفع نسبة تخصيبه سوف تستغرق 4 إلى 6 أسابيع.

واستدرك جليلوند بقوله إن تخصيب اليورانيوم بنسبة 90% لا يساوي صناعة قنبلة ذرية وإن تحويل 42 كيلوغراما من اليورانيوم المخصب بنسبة 90% إلى رأس حربي نووي وإجراء الاختبارات اللازمة عليه سوف يستغرق من 6 أشهر إلى عام.

وأشار إلى أن الصواريخ الباليستية الإيرانية، ومنها صاروخ شهاب-3، قادرة على حمل الرؤوس النووية.

الفتوى الدينية

ورغم قدرة طهران على تطوير سلاح نووي، فإن فتوى المرشد الأعلى علي خامنئي بحرمة إنتاج واستخدام أسلحة الدمار الشامل ستبقى عائقا أساسيا أمام تحول البلاد إلى قوة نووية.

وينقسم المراقبون في إيران بشأن إمكانية تغيير الفتوى؛ بين شريحة سياسية تری أن الفقه الشيعي مبني على أسس دينامية حيوية ومتخصصين في الفقه الشيعي يقولون بعدم إمكانية تغيير حرمة السلاح النووي، نظرا إلى آثامه وآثاره المدمرة والمهلكة للحرث والنسل.

المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply