الخوف أفرغ العاصمة بالفعل مما يقرب من نصف سكانها، إذ غادرها نحو 1.6 مليون نسمة وبقي فيها مليونان.

في انتظار ما ستسفر عنه الأحداث القادمة يعيش من تبقى من سكان كييف جوا غريبا، فبين نازح ومقاوم للهجوم الروسي هناك ما يشبه الحياة العادية في العاصمة الأوكرانية التي تكافح من أجل وجودها، على إيقاع الصفارات المنذرة بالقصف الجوي وقصف المدفعية، فضلا عن تطويق لكل مخارجها بالدبابات الروسية.

هكذا بدأت صحيفة “لوموند” ( Le Monde) تقريرا لموفدها الخاص إلى كييف، رمي أوردان، عرض فيه صورا حديثة لمحالّ ومطاعم ما زالت تعمل بشكل شبه طبيعي، ونقل فيه شهادات لعدد من سكان العاصمة المنكوبة.

فخلال لحظات الراحة النادرة، يقول الموفد إن السكان الذين بقوا في كييف ما زالوا يتشبثون بما يشبه الحياة الطبيعية.

وتظهر أول علامة للحياة في هذه المدينة، حسب الكاتب، في المحطة المركزية “باسازهيرسكي”، وذلك كل صباح عند الفجر، إذ بينما يقطع الجيش الروسي تدريجيا الطرق المؤدية إلى المدينة، لا تزال القطارات تعمل.

ويلاحظ الكاتب أن هذه المحطة التي كانت تشهد زحاما شديدا في الأسابيع الأولى من هذه الحرب نتيجة النزوح الجماعي، استعادت اليوم مظهرها الطبيعي تقريبًا.

بعض المتاجر في عموم شرق أوكرانيا لم يعد فيها سوى سلع قليلة أو أصبحت فارغة بالكامل (رويترز)

وتجسد ذلك في أن مكاتب ومنصات التذاكر لم تعد محاصرة من قبل الحشود اليائسة التي تحاول الفرار أمام الروس، إذ كان السكان يائسين يخشون اجتياح الروس لمدينتهم بسرعة.

ويضيف أن ذلك الخوف أفرغ العاصمة بالفعل مما يقرب من نصف سكانها، فقد غادرها نحو 1.6 مليون نسمة وبقي فيها مليونان، وفقًا لمجلس المدينة.

وأمام محطة المترو، يقابل المراسل 5 من سائقي سيارات الأجرة الذين يرون أنهم خسروا مهنتهم؛ يقول أحدهم واسمه فولوديمير “لم يعد أحد يستخدم سيارة أجرة في المدينة، والزبائن الوحيدون هم اللاجئون الفارّون من الضواحي في مواجهة التقدم العسكري الروسي، وأولئك الذين يأتون لركوب القطار والفرار إلى غرب البلاد”، مضيفا ببعض العبارات الفرنسية التي كان تعلمها من السائحين “زمن السلام يبدو بعيد المنال”.

ورغم أن البرد لا يزال قارسا، كما يقول المراسل، فإن أشعة الشمس بدأت تسطع، وقد أعادت بعض المخابز والمقاهي فتح أبوابها، ومنها مطعم “لافابريك” (La Fabrique) وقد أعاد 3 من موظفيه فتحه بعد أن فرّ مالكه الفرنسي. ولاحظ المراسل أن سيدات أنيقات يأتين لشراء الخبز والمعجنات، ناقلا عن أحد الموظفين بالمخبز قوله “الناس سعداء جدًّا بفتحنا من جديد أبوابنا، فهم يأتون إلى هنا من جميع أنحاء كييف”.

ويعلق المراسل على ذلك قائلا إن الخبز هو أحد السلع التي يصعب العثور عليها في هذه المدينة، إذ لم يعد يواصل عمله سوى عدد قليل من المخابز هنا.

ساحة ثورة الميدان كانت تعج بالزائرين قبل الحرب (غيتي)

ومن المفارقات أن ساحة النصر، حيث يقام الاحتفال بتحرير الجيش الأحمر للمدينة من الاحتلال النازي كل عام في السادس من نوفمبر/تشرين الثاني، هي اليوم أحد محاور التوغل المحتمل للجيش الروسي في المدينة.

وفي هذه الساحة، حسب المراسل، يحاول سوبر ماركت “سيلبو” (Silpo) تلبية احتياجات السكان، غير أن ثمة نقصا في “البطاطس والبصل والبيض والحليب”، كما تشير البائعة، ولكن لا تزال هناك المعكرونة والمواد المعلبة وحتى بعض الفواكه والخضراوات.

ووفقا للمراسل تأتي العائلات لتذوق مأكولات تتار القرم في مطعم “مسافر”، وهو أحد المؤسسات القليلة جدًّا التي لا تزال مفتوحة في كييف، ويقع بالقرب من “ساحة الميدان” التي هي أيضا مفعمة بالرمزية إذ هي ميدان الاستقلال ومهد “ثورة الميدان”.

سيدة من سكان كييف في إحدى محطات القطار التي تستخدم كملاجئ تعبر عن مشاعرها إزاء الحرب المستمرة (الفرنسية)

ويضيف المراسل أنه على الرغم من النقص، فلا يزال هناك صحن “تشيبورك” (tcheboureks) و”يانتيك” (yantiks) -هي نقانق من لحوم البقر أو الضأن كلاسيكية أو مقلية- والجبن وخبز النان.

ويقدم مطعم “مسافر” هذه الوجبات مع الطرخون الجورجي أو الليمون بالفانيلا، فتبدو الحرب بعيدة ولو لبضع لحظات إلى أن تدوّي صافرة إنذار جديدة محذرة من قصف جوي.

وفي تلك الأثناء، يوجد عدد قليل من الفنانين البوهيميين في مجمع “إكس” (X) يشربون جعتهم في حديقة “شيفتشينكو” (Chevtchenko)، ويبدو أن ثمة 3 نساء لا يعرن أي اهتمام للحرب.

وفي هذه الحديقة التي تحمل اسم الشاعر الأوكراني تاراس شيفتشينكو (1814-1861) تعمل امرأتان جاهدتين على تنظيف الحديقة وجمع الأغصان وتنظيف الممرات، وتقول إحداهن “عندما يقول لنا المارّة إننا غبيّات لقيامنا بهذا العمل في خضم الحرب، نرد عليهم بأننا نعتقد أن من المهم أن تظل المدينة والحدائق نظيفة”.

المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply