تهدد تطورات الأزمة الروسية الأوكرانية بزيادة أسعار المواد الغذائية في جميع أنحاء العالم، باعتبار أن تعطيل سلاسل الخدمات اللوجيستية يؤدي إلى نقص حجم الإمدادات الغذائية، الأمر الذي دفع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “فاو” (FAO) إلى دق ناقوس الخطر.

وقال تقرير نشره موقع “نيوز ري” (News ru) الروسي إن أوكرانيا من أكبر مصدري الحبوب في العالم، وعليه فإن تأخير الموسم الزراعي يغذي المخاوف في العالم بشأن تسجيل نقص في المواد الغذائية المعروضة.

ويوضح التقرير أنه لن يجدي تخزين الأطعمة المعلبة -وهو الأمر الذي يتهافت عليه الناس في ظل التوترات الجيوسياسية- نفعًا، لأن الحبوب لا تعتبر المادة الأساسية لإعداد الخبز فحسب، بل تمثل علف الماشية، التي تعتبر مصدر اللحوم ومنتجات الألبان، وهو ما يضاف للآثار السلبية المترتبة عن تغير المناخ العالمي وتداعيات جائحة كورونا، مما يجعل الوضع الراهن لا يهدد فقط بقفزة في الأسعار، بل بحدوث مجاعة عالمية.

ويبين التقرير أنه في الأسبوع الثاني من تنفيذ روسيا عملية عسكرية في أوكرانيا، حطمت الأسعار العالمية للحبوب والبقوليات الرقم القياسي المسجل عام 2008، إذ ارتفعت أسعار القمح بعد الـ24 من الشهر الماضي بنسبة 50%.

إلغاء الغذاء

ويشير التقرير إلى أن عُشر سكان البسيطة يعانون من نقص الغذاء، مما يعني أن أي مشكلة جيوسياسية سوف تضاعف بشكل ملموس هذه النسبة وتهدد بزيادة عدد الفقراء. فقد تسبب الجفاف الذي عرفته كندا والولايات المتحدة العام الماضي في زيادة أسعار القمح الصلب بنسبة 90%.

ويضيف التقرير أن التوترات الجيوسياسية تهدد باستمرار ارتفاع أسعار الحبوب والزيوت النباتية، إذ قال عارف حسين، الخبير الاقتصادي في برنامج الغذاء العالمي للأمم المتحدة، إن “عواقب التوترات وخيمة، وتتعدى حدود روسيا وأوكرانيا، وذلك بعد اقتراب أسعار الحبوب والنفط من الأرقام المسجلة عام 2008”.

الموقع أشار إلى تقرير يضم 40 صفحة نُشر هذا الأسبوع، حدد فيه خبراء الأمم المتحدة في منظمة الأغذية والزراعة شهر مايو/أيار من هذا العام تاريخا لبداية مواجهة العالم مجاعة.

فقد دأبت أوكرانيا على بدء زرع الحبوب خلال ذلك الشهر، لكن في الظروف الراهنة وفي ظل تمشيط الحقول بالدبابات لا بالجرارات -على غير العادة- يصعب بداية الموسم الزراعي.

ووفقًا لبيانات منظمة الأغذية والزراعة، تستحوذ أوكرانيا على 10% من حجم إنتاج القمح العالمي وعلى 15% من حجم إنتاج الذرة عالميا.

ويلفت التقرير إلى أن الحكومة الروسية اتخذت -في وقت سابق – قرارًا بالحد من تصدير المنتجات الزراعية ضمانًا لأمنها الغذائي؛ حيث بلغ حجم إنتاج روسيا في بداية العام الجاري من القمح العالمي 17%.

وتحتل روسيا المرتبة الثانية عالميا في تصدير زيت عباد الشمس، كما تنتج كميات كبيرة من الأسمدة، وتستطيع حرمان العالم من هذه المادة  الضرورية لإنتاج العديد من المحاصيل، وفق تعبير موقع نيوز ري.

ساحة معركة القمح

وينقل التقرير عن الخبير في سوق المواد الغذائية ليونيد خولاد قوله “إن الصراع القائم بين المنتجين العالميين الرئيسيين للمنتجات الزراعية يلقي بظلاله على جميع أنحاء العالم. وعليه، من الضروري الاستعداد لتسجيل نقص في الغذاء”، مضيفا أن “تسجيل انخفاض في الإنتاج الفعلي للمنتجات الزراعية وتعطيل خطوط النقل، فضلًا عن فرض عقوبات على روسيا -وهي واحدة من أكبر موردي المواد الغذائية إلى الأسواق العالمية- من شأنه زعزعة استقرار أسواق الغذاء لمدة غير محددة”.

وبحسب التقرير، فإنه وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة، توجه روسيا 40% من صادراتها نحو الدول الأفريقية والعالم العربي؛ وتعتمد هذه الدول بشكل أساسي على الصادرات من روسيا وأوكرانيا.

ويتابع التقرير أنه وفقًا لخبراء الأمم المتحدة، فإن تأثير العمليات العسكرية على حقول القمح الأوكرانية سيهدد المملكة المتحدة مباشرة، وقد وضعت بريطانيا نفسها -من خلال خروجها من الاتحاد الأوروبي- في وضع مشابه لذلك الذي وجدت روسيا نفسها فيه بسبب العقوبات الغربية، فستشعر لندن بشدة بتأثير انخفاض واردات القمح الأوكرانية، خاصة وأنها لا تعتمد مطلقا على مواردها الخاصة، وبخاصة في المجال الزراعي بدءًا من القمح وانتهاء بالشاي والتوابل.

وبحسب التقرير؛ يرى خولاد أن الآلية التي اعتمدت سابقًا لتغطية الحاجيات من النفط المتمثلة في تعويض انخفاض الإمدادات من بعض البلدان عن طريق زيادة الإمدادات من دول أخرى، لا تعمل بالكفاءة نفسها مع الحبوب.

ويقول “لا ينبغي التوقع بأن كندا سوف تعوض الحبوب الأوكرانية والروسية، لأنها تنتج القمح القاسي، في حين تنتج أوكرانيا وروسيا القمح اللين، وهذه الأصناف غير قابلة للاستبدال في صناعة المواد الغذائية”.

ويقول التقرير إن تمشيط الحقول بالدبابات بدل الجرارات ستكون له عواقب وخيمة على كل من أوكرانيا وروسيا.

القمح القاسي أو الصلب: هو أحد أنواع القمح ذي الجودة العالية والقيمة الغذائية العالية والممتازة للجسم، ولونه أصفر، ويستخدم في صناعة المنتجات الغذائية كالمعكرونة والبرغل والمفتول. ويكون بشكل حبوب طويلة ذات شكل مستطيل وشبه شفافة. وينمو في التربة المشمسة.

القمح اللين أو الطري: هو أكثر الأنواع زراعة في العالم، وهو قمح الخبز. ويكون بشكل حبوب صغيرة، كما يتكسر بسهولة وهو غير شفاف مستدير وأكثر قابلية للتفتيت. ويحتاج مناخا رطبا وهادئا.

قبل بدء العملية العسكرية وفرض عقوبات على روسيا، تعدى حجم استهلاك الدول العربية نسبة 35% من إجمالي صادرات القمح الروسي، وأكثر من 42% من إجمالي الصادرات الأوكرانية

 

ماذا عن المنطقة العربية؟

يلفت التقرير إلى أن تداعيات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا امتدت إلى الشرق الأوسط، وقد يؤدي تعطيل سلاسل التوريد المعتادة من روسيا وأوكرانيا، فضلًا عن العقوبات المفروضة على موسكو، إلى مواجهة العديد من الدول العربية أزمة غذائية حادة.

فقبل بدء العملية العسكرية وفرض عقوبات جديدة على روسيا، تعدى حجم استهلاك الدول العربية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نسبة 35% من إجمالي صادرات القمح الروسي، وأكثر من 42% من إجمالي الصادرات الأوكرانية؛ إذ يرجع اعتماد الدول العربية على إمدادات الحبوب من روسيا وأوكرانيا إلى العديد من العوامل، أهمها نقص المياه والإدارة غير الفعالة للموارد في بلدان عديدة على غرار سوريا والعراق.

ويعطي التقرير مثالا على ذلك، فيشير إلى أن أوكرانيا تغطي حوالي 60% من حجم واردات لبنان السنوية من الحبوب، في حين تغطي روسيا حوالي 20% من إجمالي هذه الواردات. في المقابل، لا تستطيع بيروت الحفاظ على سياسة دعم الخبز وإنشاء سلاسل توريد مع دول أخرى مثل الولايات المتحدة أو الهند في الوقت نفسه بسبب ضعف المؤشرات المالية جراء الظرف الاقتصادي الصعب الذي تتخبط فيه البلاد.

كما يستورد لبنان حوالي 60% من حاجاته من زيت عباد الشمس من أوكرانيا، ولهذا فإنه بعد انطلاق العملية العسكرية الروسية؛ تهافت اللبنانيون على شراء الزيوت النباتية تحسبا لارتفاع حاد في أسعارها.

أرز صيني للأطباق الصينية

واختتم التقرير بالإشارة إلى أن السلطات الصينية قالت إنها لا تستطيع أن تعهد بالأمن الغذائي للصين إلى الأسواق الدولية، جاء ذلك في معرض حديث الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني في السادس من الشهر الجاري؛ إذ قال “أوعية الشعب الصيني يجب أن تمتلئ بالأرز الصيني”، مبينا أنه لكي لا تعتمد بلاده على حالة سوق الغذاء العالمي المتقلبة فإنها تحتاج إلى تحقيق الاستقرار على مستوى إنتاج الحبوب والذرة، فضلاً عن زيادة حجم إنتاج فول الصويا والبذور الزيتية.

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply